للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوبة، اللعان]

في التاسعة أيضًا غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبوك, وتخلف عنه رجال فأدبوا بما يليق بهم، ثم تاب ثلاثة منهم فقَبِلَ الله توبتهم ونزل: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} ١، وكانت التوبة في الشرائع قبل الإسلام أصعب مما في الإسلام، فإن بني إسرائيل لم تقبل منهم التوبة من الرِّدَّة إلا بأن يقتلوا أنفسهم، بخلاف الإسلام، نعم في غير عبادة العجل كانت عندهم التوبة بون قتل, خلافًا لما نقله الأبي٢ عن سفيان الثوري٣, بدليل حديث الصحيحين في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا٤، كما أن التوبة لا تسقط القتل عندنا في القصاص؛ لأنه حق الغير, بل ولا حدَّ الزنا عند غير الحنفية، ولا حدَّ الحرابة عندنا خلافًا لمن نقل فيه الإجماع على سقوطه، وتقدَّم أن الزنديق وسابّ الرسول -عليه السلام- لا بُدَّ فيهما من القتل, ولكن لا يكلفان بقتل أنفسهما، إن التوبة فيما بين العبد وبين مولاه مقبولة في كل ذنب حتى القتل عند الجمهور, ولا يطلب منه أن يفضح جريمته أمام الراهب كما عند النصارى، بل العبد يناجي ربه ويلجأ إليه منه, لا حاجب ولا مانع، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ٥.

في التاسعة أيضًا وقعت قضية عويمر العجلاني عندما انصرف النبي -صلى الله عليه ولسم- من تبوك كما عند الدراقطني وغيره، حيث رمى زوجه بالزنى، فأنزل الله فيه:


١ التوبة: ١١٧.
٢ محمد بن خلفة بن عمر الأبي الوشتاتي المالكي, من كتبه "إكمال إكمال المعلم لفوائد كتاب مسلم" جمع فيه بين شروح: المزري والقاضي عياض والنووي على مسلم، ت سنة ٨٢٧هـ "البدر الطالع" "٢/ ١٦٩".
٣ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري, من أتباع التابعين، تأتي ترجمته في القسم الثاني.
٤ البخاري في بدء الخلق "٤/ ٢١١"، ومسلم في التوبة "٨/ ١٠٣".
٥ غافر: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>