للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السنة مستقلة في التشريع]

اعلم أن الحق عند أهل الحق أن السنة مستقلة في التشريع, فقد يرد فيها ما لم يذكر إجماله ولا تفصيله في القرآن كزكاة الفطر, قال خليل: يجب بالسنة صاع.

وكصلاة الوتر، وكحد الزاني المحصن؛ لأن آية: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" حكمها حكم السنة؛ لأنها نسخ لفظها ولم ترو إلينا تواترًا, وإن وقع الإجماع على الحكم بها، فالسنة كالقرآن يثبت بها تحليل الحلال وتحريم الحرام، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وتحريم لحوم الحمر الإنسية١, وكوجوب الكفارة على منتهك حرمة رمضان، وما لا يحصى كثرة، خلافًا للخوارج.

قال في أعلام الموقعين: أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر مما فيه لم تنقص عنه، وما يروى من طريق ثوبان من الأمر بعرض الأحاديث على القرآن، فقال يحيى بن معين: إنه من وضع الزنادقة، وقال الشافعي: ما رواه أحمد عمن يثبت حدثيه في شيء صغير ولا كبير٢.

وقال ابن عبد البر في كتاب جامع العلم: عن عبد الرحمن بن مهدي, إن الزنادقة وضعوا حديث: "ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله, فإن وافق فأنا قلته، وإن خالف فلم أقله", ونحن عرضنا هذا الحديث نفسه على قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} , وغيرها من الآيات الدالة على الأخذ بالسنة, فتبيَّنَ لنا أن الحديث موضوع كرّ على نفسها بالإبطال٣.


١ لكن مالك وأبو حنيفة أخذ تحريم الخمر والبغال والخيل من قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة} ولم يقل لتأكلوها، فلذلك قال بتحريم الخيل أيضًا, مع ثبوت حليتها بالسنة في الصحيح. المؤلف.
٢ انظر "ج٢/ ٣٠٩".
٣ جامع بيان العلم وفضله "ج٢/ ١٩١".

<<  <  ج: ص:  >  >>