للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمله في القضاء]

كان عمر من أنفذ الصحابة بصيرة في الفقه والاجتهاد في القضاء, موفقًا مسددًا, أو هو أمهر مجتهدي الأمة وأكثرهم توفيقًا وتسديدًا, ومن فقهه العظيم كتابه إلى أبي موسى الأشعري وهو قاضٍ من قِبَلِه في البصرة ونصه:

"أما بعد, فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك, فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاد له، آس بين١، ٢ الناس في وجهك وعدلك ومجلسك٣، ٤, حتى لا يطمع شريف في حيفك, ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادَّعى٥، ٦، واليمن على من أمكر.

والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا٧، ٨، ولا يمنعك قضاء قضيت٩، ١٠ بالأمس فراجعت فيه عقلك وهُدِيت لرشدك أن ترجع إلى الحق, فإن الحق قديم, ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل١١، ١٢.

الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم أعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك, واعمد إلى أشبهها بالحق.


١، ٢ قال المؤلف -رحمه الله: في إعلام الموقعين بإسقاط لفظ: بين.
٣، ٤ قال المؤلف -رحمه الله: في إعلام الموقعين: في مجلسك ووجهك وقضائك.
٥، ٦ قال المؤلف -رحمه الله: في إعلام الموقعين: على المدعي.
٧، ٨ قال المؤلف -رحمه الله: في إعلام الموقعين بعد قوله: حلالًا: ومن ادعى حقًّا.
غائبًا أو بينة, فاضرب له أبلغ في العذر وأجلى للعلماء, ولا يمنعك.. إلخ.
٩، ١٠ قال المؤلف -رحمه الله: لفظ الإعلام. قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك, فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه, فإن الحق قديم لا يبلطه شيء ومراجعة الحق ... إلخ.
١١، ١٢ قال المؤلف -رحمه الله: لفظ الإعلام بعد قوله في الباطل: والمسلمون عدول بعضهم على بعض, إلا مجربًا عيله شهادة زور, أو مجلودًا في حد, أو ظنينًا في ولاء أو قربة, فإن الله تولى من العباد السرائر, وستر عليهم الحدود إلّا بالبينات والأيمان, ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة, ثم قايس الأمور عند ذلك, واعرف الأمثال, ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق, وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والنكر عند الخصومة أو الخصوم "شك أبو عبيد يعني روايه" فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر, ويحسن به الذكر, فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس, ومن تزين بما ليس في نفسه شأنه الله, فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلّا ما كان خالصًا, فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته, والسلام عليك ورحمة الله. قال أبو عبيد: فقلت لكثير: هل أسنده جعفر. قال: لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>