واجعل لمن ادَّعى حقًّا غائبًا أو بينة أمدًا ينتهي إليه, فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلّا استحللت عليه القضية, فإنه أنفى للشك وأجلى للعماء.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حدٍّ, أو مجربًا عليه شهادة زور, أو ظنينًا في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر ودرأ بالأيمان والبينات.
وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات, فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر, ويحسن به الذخر, فمن صحَّت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شأنه الله، فما ظنك بثواب الله -عز وجل- في عاجل رزقه وخزائن رحمته, والسلام. بنقل القاضي الباقلاني في إعجاز القرآن١.
وهذا الكتاب كافٍ في معرفة سعة مدارك عمر في الفقه والتشريع وأحكام الضوابط، وفيه التنصيص على أصول مهمة كقياس الشبه، وتقديم الكتاب على السنة، ثم هي على الرأي، ولذلك خصّ بالشرح, وشرحه في أعلام الموقعين بنحو ثلاثة أسفار فانظره تر ما استنبط منه من الأحكام والأسرار، ومنه استنبطت كيفية القضاء وأحكامه، قال في أعلام الموقعين: وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة, والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه عليه.
وتقدَّم نصّ ما كتب به إلى قاضيه بالكوفة شريح، كما تقدَّم لنا زيادته في حد الخمر، مما يدل على أنه لم يكن يرى أن كل شيء تعبدي، ولا يستحسن الجمود في الأحكام, بل يتبع المصالح وينظر للمعاني التي هي مناط التشريع -رضي الله عنه، وقد أسلفنا في ترجمته تنظيمات وأعمالًا أخرى لهذا الخليفة العظيم، وبالجملة فعمر سيد أهل الفقه والاجتهاد والتقوى في هذه الأمة, ولم يلحقه في ذلك أحد.
قال ابن خلكان في ترجمة الثوري: يقال كان عمر في زمانة رأس الناس, وبعده عبد الله بن عباس في زمانه, وبعده الشعبي, وبعده سفيان الثوري. ومع هذا
١ أخرجه الدراقطني من طريقين في سننه "٤/ ٢٠٦".