للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كله فقد كان أكثر الناس إنصافًا لمن هو دونه, وأكثر المفتين والأمراء انقيادًا للحق علي أي لسان ظهر, لا يستنكف من إظهار الإنصاف واعتراف بالقصور, وهو في الحقيقة كمال وفضل، وانصياع للحق، فقد خفي عليه توريث الزوجة من دية زوجها, حتى كتب إليه الضحاك بن سفين الكلابي وهو أعرابي من أهل البادية, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها١.

وخفي عليه أن المجوس تكون لهم ذمة, وتؤخذ منهم الجزية, حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر٢.

وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض, فكان يردّهن حتي يطهرن ثم يطفن, حتى بلغه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف ذلك فرجع٣، وكان يفاضل بين الأصابع في الدية حتى بلغته السنة بالتسوية فرجع إليها٤، وكان ينهى عن متعة الحج ثم رجع لما بلغه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها٥.

وأعجب من هذا أنه نهى عن التسمّي بأسماء الأنبياء, مع أن محمد بن مسلمة من أشهر الصحابة، وأبا أيوب وأبا موسى, حتى أخبره طلحة بن عبيد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كناه أبا محمد فرجع٦.

ومثل ذلك ما وقع فيه في الوفاة النبوية في قوله: من قال إن محمدًا قد مات ضربت عنقه, ولما سمع من أبي بكر تلاوة قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ} الآية قال: والله كأني ما سمعتها٧.


١ أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح "٤/ ٤٢٦".
٢ سبق تخريجه.
٣ في فتح الباري "٣/ ٣٨٠" ما يفيد أنه -رضي الله عنه- لم يرجع عن رأيه في هذه المسألة، إنما الذي ثبت رجوعه ابنه عبد الله.
٤ انظر نيل الأوطار "٧/ ٧٥".
٥ ادّعاء المؤلف أن عمر -رضي الله عنه- رجع عن نهيه من متعة الحج غير محرر، انظر التعليق.
٦ لم أجد هذا الأثر، لكن في مجمع الزوائد "٨/ ٤٨" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن محمد بن طلحة أخبره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمّاه محمدًا.
"٧ حديث عائشة في وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم, أخرجه في المغازي "٦/ ١٧"، وليس فيه ذكر مقالة عمر هذه، وأخرجه ابن ماجه "١/ ٥٢٠"، وأحمد "٦/ ٢٢٠", وفي روايتهما أنه -رضي الله عنه- قال: والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم, ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>