للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل استعمل الصحابة القياس في العهد النبوي]

نعم: استمعله الصحابة، وأقرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ كان قياسهم صحيحًا، وقدح فيما وجد فيه قادح، قال ابن عقيل الحنبلي١: قد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعماله, وهو يفيد القطع.

ففي زمنه -عليه السلام- تقرر القياس وأصوله مع قوادحه، فنستنتج من مبحث القياس والأصول الثلاثة قبله أن نظام الفقه كمل كله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتمام أصوله الأربعة، وسنفرد ترجمته للأصل الخامس, ووجوده في العهد النبوي على الجملة، فلم يبق إلّا التفريع والاستنباط منها، ولنأت بعض الشواهد التي حضرتنا الآن على استعمال الصحابة للقياس في عهده -عليه السلام:

الأول: حكَّمت بنو قريظة سعد بن معاذ فحكم بأن تقتل مقاتلتم وتسبى نساؤهم وذراريهم, فقال له -عليه السلام: "حكمت فيهم بحكم الله" رواه الشيخان٢، وحكمه هذا من القياس, قاسه على المحاربين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية، بجامع الفساد لموالاتهم قريشًا في وقعة الأحزاب, ونقضهم العهد, ويحتمل أن يكون قاسهم على الأسرى الذين عوتبوا على فدائهم, وأمروا بقتلهم، وكان إذ ذاك لم ينسخ بقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ٣.

الثاني: تمرغ عمَّار بن ياسر بالتراب حين أصبح جنبًا في سفر, وصلَّى بذلك التيمم, أما عمر الذي كان مرافقًا له فلم يتمزغ ولم يصل, ولما قدما وسألا النبي -صلى الله عليه وسلم, قدح في قياس عمار الطهارة الترابية على المائية في تعميم البدن، بأنه فاسد الوضع لوجود النصِّ لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} ٤ مشيرًا له إلى أن الملامسة المراد بها ما يعم الجماع أو هي هو. وقال له: "يكفيك


١ عليّ بن عقيل بن محمد بن الوفاء البغدادي الحنبلي, ت سنة ٥١٣هـ، ترجم له المؤلف في القسم الرابع في مشاهير الحنابلة بعد القرن الرابع.
٢ البخاري في بدء الخلق "ج٥/ ١٤٣"، ومسلم في الجهاد والسير "ج٥/ ١٦٠".
٣ محمد: ٤.
٤ المائدة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>