للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختراع الشافعي لعلم أصول الفقه الذي هو كفلسفة الفقه:

لما وجد الشافعي أن الذين رحلوا من المحدثين واستقصوا السنة وجمعوها من الأقطار كإسحاق١، وأحمد، وابن وهب٢، ونظائرهم، اجتمع لديهم منها شيء كثير يعدُّ بمئات الآلاف, بعد أن كانت طبقة مالك وابن عيينة ونظرائهم لا يجتمع لها منها إلّا الألف والأربعة الآلاف إلى عشرة أو عشرات الألوف لاقتصارهم على سنن بلدهم، فوقع التضارب والتعارض بين ظواهر تلك السنة الكثيرة.

فاخترع الشافعي طريقة للجمع والتوفيق وتبيين كيفية استعمال المجتهد له, وقوانين الاستنباط منها ومن الكتاب العزيز ليمكِّنه تخليص مذهبه وتأسيسه على أساس متين، وفي القواعد التي سميت علم الأصول، وأوجب عليه القيام بهذا العمل دخول الدخيل في لسان العرب, وامتزاج اللغة بلغة الأعاجم، وضعف المدراك عن فهم مقاصد الشريعة بسبب ذلك، وسهل له ذلك ما كان وقع قبله من تدوين علوم اللسان وتمهيدها كالنحو والصرف.

فبذلك تمكَّن من وضع قواعد تجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض, وكان الشافعي نفسه على جانب من المهارة في علوم اللسان, ومعرفته ببلاغة القرآن، يعرف له ذلك الخاص والعام، مع ما أوتيه من فضل بلاغة التعبير عمَّا يختلج في الضمير, كما يشهد لذلك شعره البليغ وكتبه، ومن شعره قوله:

إن الولاية لا تدوم لواحد ... إن كنت تنكر ذا فأين الأول


١ ابن إبراهيم "ابن راهويه".
٢ عبد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>