للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القياس]

[مدخل]

...

[القياس]

هو إلحاق فرع بأصل لمساواته له في علة حكمه؛ كإلحاق النبيذ بالخمر في الحرمة, ووجوب حد شاربه لمساوته له في الإسكار، ولا يكفي وجود الجامع بين الأصل والفرع، بل لا بُدَّ في اعتباره من دليل يدل عليه من نصٍّ أو إجماع أو استنباط, ولذلك احتاجوا في مسالك التعليل العشرة المقررة في الأصول.

وقد أنكره ابن مسعود من الصحابة، وعامر الشعبي من تابعي الكوفة، وابن سيرين من تابعي البصرة، نقله ابن عبد البر والدارمي عنهم وعن غيرهم، خلافًا لقول ابن بطال١: أول من أنكره النَّظَّام, وتبعه بعض المعتزلة وداود الظاهري, على أن داود لا ينكر الجلي منه ولا منصوص العلة، وإنما الذي أنكره هو ابن حزم من أصحابه، وادَّعى الشيعة وقوم من المعتزلة استحالة التعبد به عقلًا، وكل ذلك مردود، فإن الصحيح ومذهب الجماهير من علماء الإسلام على العمل والتعبد به شرعًا، فقد قاس الصحابة والتابعون ومن بعدهم علماء الأمصار، وقد جاء العمل به في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وأرشد القرآن إليه، قال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار} ٢، والاعتبار قياس الشيء بالشي.

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ، نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} ٣. فهذه الآية وقع فيها الاحتجاج على الكفار في إنكارهم البعث بالقياس على النشأة الأولى، وهو قياس في الأصول المعتقدة التي يطلب فيه القطع، ففي الفقه الذي يكتفي فيه بالظن من باب أولى، وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ٤، أمرهم أن يردوا ما أشكل عليهم إلى الرسول, فإن لم


١ لعله سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي، ت سنة ٤٠٤هـ.
٢ الحشر: ٢.
٣ الواقعة: ٥٨-٦٢.
٤ النساء: ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>