[الفقه وابتداء تدوينه في عصر صغار التابعين ومن بعدهم إلى آخر المائة الثانية هجرية]
تقدَّم لنا أن عمر بن عبد العزيز الخليفة العدل أخذت حياته سنة من هذه المائة، وقد ذكر المؤرخون أنه على رأس المائة أصدر أمرين أثَّرا على الفقه كثيرًا بالرقي العظيم، الأول: أمر بتفريق العلماء في الآفاق لتعليم الأمة وتهذيبها ونشر الدين ومحاسن الأخلاق والمعتقدات، جريًا على سنة عمر وغيره من صالحي الخلفاء، ومن جملتهم عشرة من التابعين أرسلهم إلى أفريقية لتعليم أهلها الفقه والدين, فانتشرت الفقه وعمَّ التعليم، وفي ذلك من ارتقاء ما لا يخفى.
الثاني: أمره بكتابة العلم وتدوينه، ففي الموطأ رواية محمد بن الحسن: مالك عن يحيى بن سعيد بأن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم, أن انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سنة, أو نحو هذا فاكتبه لي, فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء. علقه البخاري في صحيحه١.
وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بلفظ: كتب عمر إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله فاجمعوه؛ هكذا بدأ تدوين الحديث الذي هو المادة الواسعة للفقه، فقد ذكروا أن أبا بكر كتب كتبًا, وتوفي عمر قبل أن يبعثها إليه، بل وبه بدأ تدوين الفقه أيضًا إذا أدخلت التراجم وأقوال السلف في كتب الحديث، وكلها