للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور من الخلاف الواقع في هذا العصر]

...

فرق، ومن مثل هذا نشأ مذهبا الظاهرية، وأصحاب الرأي.

ومنها: ما رواه أصحاب الأصول من نزوله -عليه السلام- بالأبطح عند النّفر من الحج، فذهب أبو هريرة وابن عمر إلى أنه من النسك, فجعلاه من سنن الحج، وذهب ابن عباس وعائشة إلى أن كان اتفاقيًّا وليس من السنن, وهكذا الرمل في الطواف، كان ابن عباس يراه اتفاقيًّا لقول المشركين: حطمتهم حمى يثرب.

وليس من النسك, فذهب حكمه لزوال سببه, وذهب غيره إلى السنية.

ومنها: اختلاف الوهم:

مثاله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج، فاختلفوا هل أفرد أو قرن أو تمتع، وفي هذا اختلاف عظيم بين الرواة الأثبات, ومعظم ذلك في الصحاح، حتى طعن بعض الملاحدة في السنة، لكن الذي مال لترجيحه الحافظ١، وابن القيم ما رواه بضعة عشر صحابيًّا, وهو أنه -عليه السلام- كان قارنًا، ورجَّح مالك أنه كان مفردًا حيث روته عائشة، ورحَّج ابن حنبل أنه متمتع، والمسألة فيها اختلاف عظيم كتب فيها الطحاوي٢ ألف ورقة.

ثم اختلفوا: هل أهلّ من مسجد ذي الحُلَيْفَة أو حين استقلت به راحلته، أو على شرف البيداء، فقال ابن عباس: أهلَّ في تلك المواضع كلها، وكان الناس يتلاحقون, فمن سمعه أهلَّ في موضع ظنَّ أنه ابتدأ منه، وايم الله لقد أوجب في مصلاه بذي الحليفة, وإني لأعلم الناس بذلك. رواه أبو داود٣.

ومنها: اختلافهم في علة الحكم، مثاله:

القيام للجنازة هل لتعظيم الملائكة فيخص بالمسلم, أو لهول الموت فيقام للمؤمن والكافر, أو لكونهم مروا بجنازة يهودي فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كراهية أن تعلو فوق رأسه فيكون القيام لها خاصًّا بالكافر.


١ ابن حجر في الفتح.
٢ أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر. الجواهر المضية "١/ ١٠٢".
٣ أبو داود في المناسك "٢/ ١٥٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>