وقال الشيخ الإمام علي السبكي: يعتبر لإيقاع الاجتهاد لا لكونه صفة فيه كونه خبيرا بمواقع الإجماع لئلا يخرقه والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وشرط المتواتر، وخبر الآحاد والصحيح والضعيف، وحال الرواة، ويكفي في زماننا الرجوع إلى أئمة ذلك.
ولا يشترط علم الكلام، ولا تفاريع الفقه، ولا الذكورة والحرية، وكذا العدالة على الأصح، لجواز أن يكون لفاسق والمرأة والعبد قوة الاجتهاد.
وهذا هو المجتهد المطلق، ودونه مجتهد المذهب، وهو المتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه، وقال المحلي في محل آخر: هو القادر على التفريع والتخريج، ودونه مجتهد الفتيا وهو المتبحر المتمكن من ترجيح قول على آخر. ا. هـ. ملخصا من "جمع الجوامع" وشرحه بزيادة.
وكلام السبكي مأخوذ من كلام الإمام الشافعي القائل:
لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلا عارفا بناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، بصيرا بحديث نبي الله صلى الله عليه وسلم، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، بصيرا باللغة، بصيرا بالشعر وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإن كان هكذا، فله أن يفتي في الحلال والحرام، وإلا فلا.
وقال الإمام أحمد: ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، عالما بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها، وقال في رواية حنبل: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي، وسئل: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال: لا، قال: فمائتي ألف؟ قال: لا، قال: فثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده هكذا، وحرك يده، قال القاضي أبو يعلى: وظاهر الكلام أنه لا