للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العارية، والقصاص بالشاهد واليمين، وتقدير دية أنملة الإبهام بخمس من الإبل، وإيصاء المرأة على ولدها المهمل إذا كان المال نحو ستين دينارًا، ونظم ذلك من قال:

وقال مالك بالاختيار ... في شفعة الأنقاض والثمار

والجرح مثل المال في الأحكام ... والخمس في أنملة الإبهام

وفي وصيّ الأم باليسير ... منها ولا وليّ للصغير

وقولنا: لم يسبقه غيره إليها يخرج ما هو مسبوق إليه، فقد قال بالاستحسان في مسائل كثيرة، كتضمين الصُّنَّاع، والراعي المشترك، والأكرياء الحاملين للطعام والشراب، فإن طرد القياس يقتضي أمانتهم لكن الضرورة والمصلحة العامة تقتضي تضمينهم وإلّا لأهلكوا أموال الناس مع شدة الضرورة لمعاملتهم، وقد قال بتضمين الصُّنَّاع الخلفاء الراشدون رعيًا للمصالح المرسلة، انظر شراح المختصر١، لدى قوله: وهو أمين فلا ضمان. من باب الإجارة.

ومثله جبر صاحب الفرن والرحي والحمام على المواجرة للناس سوية هو استحسان والقياس عدم الجبر، والعمل على الجبر، وأمثاله كثير، وقال السبكي٢ في الطبقات: إن أصول مذهب مالك تزيد الخمسمائة، ولعله يشير إلى القواعد التي استُخرجت من فروعه المذهبية فقد أنهاها القرافي٣ في فروقه إلى خمسمائة وثمانية وأربعين، وغيرها أنهاها إلى الألف والمائتين كالمقرِّي٤ وغيره، لكنها في الحقيقة تفرعت عن هذه الأصول, والإمام لم ينص على كل قاعدة قاعدة, وإنما ذلك مأخوذ من طريقته وطريقة أصحابه في الاستنباط.

وتقدَّم لنا الإشارة إلى هذا في مبدأ أبي حنيفة، ولا بُدَّ لمجتهد المذهب من مراعتها بعد إتقانها وجريانه في الاستنباط عليها, وإلا كان خارجًا عن المذهب, ومن هنا صعب الاجتهاد في المذهب المالكي, وقلَّ المجتهدون فيه على كثرتهم عند الشافعية الذين لم يتقيدوا بذلك بل نص الحديث الصحيح عندهم لا يعدل عنه كما يأتي.


١ مختصر خليل في فقه المالكية.
٢ هو تاج الدين عبد الوهاب بن علي، الدرر الكامنة "٣/ ٣٩".
٣ أحمد بن إدريس الصنهاجي، الديباج المذهب "١/ ٢٣٦".
٤ هو محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر أبو عبد الله القرشي التلمساني، ت سنة ٧٥٨، شذرات الذهب "٦/ ١٩٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>