كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي

ترجمة سادسهم الإمام العلم إمامنا وإمام دار الهجرة وأمام الأئمة مالك بن أنس - عمل أهل المدينة - ج: 1 - ص: 459

النوع لا نظن أن مالكًا انفرد بالعمل به، بل هو والمجتهدون فيه سواء١. أما عملهم الذي طريقه الاجتهاد والتفقه لا النقل فهو محل نزاع حتى عند المالكية، قال القاضي عبد الوهاب١: فيه ثلاثة أوجه.

الأول: أنه ليس بحجة ولا يرجح به أحد الاجتهادين أصلًا على الآخر, وعليه الأبهري٢، والقاضي أبو الفرج٣ وغيرهما.

الثاني: أنه ليس بحجة, ولكن يرجح به اجتهادهم على اجتهاد غيرهم, وبه قال بعض الشافعية.

الثالث: أنه حجة كإجماعهم من طريق النقل, ولكن لا تحرم مخالفته, وعليه قوم من أصحابنا كابن المعذل٤.

وفي رسالة مالك إلى الليث ما يدل عليه، وإلى هذا يذهب جل المغاربة أو جميعهم، قال: ثم إن خبر الأحاد إن كان العمل موافقًا له فهو معضد به بأنواعه السابقة, وإن تعارضا فإن كل العمل من طريق النقل كالصاع والمد وزكاة الخضروات, فالخبر يترك لعمل بلا خلاف عندنا, وإن كان اجتهاديًّا فالخبر أولى عند٥ جمهور أصحابنا، إلّا من قال منهم إنّ الإجماع من طريق الاجتهاد

---

١ قال المؤلف -رحمه الله: ولا اختصاص لأهل المدينة بهذا، فأهل مكة أيضًا إذا أجمعوا على عين شيء كان حجة كنقلهم لنا تعيين حدود محل الوقوف بعرفة، ومحل رمي الجمار، والمزدلفة، وأمثال ذلك، وقد وقفت على احتجاجات الشافعي في الأم بعمل أهل مكة، فأهل المدينة أولى.
٢ عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي.
٣ هو أبو بكر الأبهري محمد بن عبد الله، ت سنة ٣٧٥هـ، تاريخ بغداد "٥/ ٤٦٣".
٤ المالكي واسمه عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي, له كتاب اللمع في أصول الفقه، ت سنة ٣٣١هـ، الديباج "٢/ ١٢٧".
٥ هو أحمد بن غيلان بن الحكم العبدي، الديباج المذهب "١/ ١٤١".
٦ قال المؤلف -رحمه الله: يعضد مذهب الجمهور من تقديم الخبر على العمل الاجتهادي، حديث الصحيحين عن نافع أن ابن عمر كان يكري أرضه مزارعة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وأبي بكر وعمر وعثمان, وصدرًا من إمارة معاوية, حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم, فدخل عليه وأنا معه فسأله، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن كراء المزارع, فتركها ابن عمر بعد، وفي مسلم عن رافع بن خديج كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه, فربما خرجت هذه, ولم تخرج هذه, فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا. أهـ وفي أعلام الموقعين أدلة أخرى فانظرها.