الدين الطمع، وصلاحه الورع، وهاك قضية وقعت في الأندلس أيام الخليفة الثامن لبني أمية عبد الرحمن الناصر في القرن الرابع، وذلك أنه احتاج إلى تعويض أرض قبالة منزله يجعلها منتزها كانت حبسا توضع فيها الأزبال.
فراود الفقهاء في أن يعوضها بأحسن منها بكثير ثمنا وغلة، فامتنعوا كليا، فلما أيس منهم، بعث إليهم وقاضيه ابن بقي معهم الذي هو رئيسهم، وخرج إليهم بعض وزرائه موبخا لهم بقوله: يقول أمير المؤمنين: يا مشيخة السوء، يا مستحلي أموال الناس، يا أكلة أموال الأيتام ظلما، يا شهداء الزور، يا آخذي الرشا، وملقني الخصوم، وملحقي الشرور، وملبسي الأمور، وملتمسي الروايات لاتباع الشهوات تبا لكم ولآرئاكم، فهو -أعزه الله- واقف على فسوقكم قديما وخونكم الأمانة، مغض عنكم صابرا، ثم احتاج إلى دقة نظركم في حاجته مرة في دهره، فلم يسع نظركم للتحليل عليه ما كان هذا ظنه فيكم، ليقارضنكم من يومه، وليكشفن ستوركم، وليناصحن الإسلام فيكم، وكلاما في مثل هذا.
فبدر منهم شيخ ضعيف المنة إلى الاعتراف، واللياذ بالعفو والاستقالة والتوبة، فالتفت إليه كبيرهم محمد بن إبراهيم بن حيونة وكان ذا منة، فقال: عم تتوب يا شيخ السوء نحن براء إلى الله من مقامك، ثم أقبل على الوزير المخاطب لهم، فقال: بئس المبلغ أنت، وكل ما ذكرته على أمير المؤمنين مما نسبته إلينا، فهو صفتكم معاشر خدمته أنتم الذين تأكلون أموال الناس بالباطل، وتستحلون ظلمهم بالإخافة، وتجيعون معايشهم بالرشا والمصانعة، وتبغون في الأرض بغير الحق، أما نحن، فليست هذه صفاتنا ولا كرامة لا يقوله لنا إلا متهم في دينه، فنحن أعلام الهدى، وسرج الظلمة بنا يتحصن الإسلام، ويفرق بين الحلال والحرام، وتنفذ الأحكام، وبنا تقام الفرائش، وتثبت الحقوق، وتحصن الدماء، وتستحل الفروج، فهلا إذ عتب أمير المؤمنين بشيء لا ذنب فيه لنا وقال بالغيظ ما قاله تأنيت بإبلاغنا، وسألته بأهون من إفحاشك، وعرضت لنا بإنكاره، ففهمنا عنك، وأجبناك عنه بما يجب، فكنت تزين على السلطان، ولا