يسألني عن مذهب الشافعي، فلا بد أن أعرفه أن الذي أفتيته به غير مذهبه.
وقال ابن تيمية: أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهب معين، وإنما يسأل عن الحكم، فلا يسع المفتي إلا الجواب بما يعتقده صوابا.
والتوفيق بين هذا وما قبله ظاهر، والخلاف في حال أن في المسألة خلافا منصوصا فيما إذا نصب الإمام قاضيا، وشرط عليه الحكم بمذهب ابن القاسم أو مالك مثلا، فقيل: العقد صحيح، والشرط صحيح، وقيل: الكل باطل، وقيل: الشرط باطل، والعقد صحيح، وعلى القول الأول عمل المسلمين مشرقا ومغربا. وأما قول ابن القيم في "إعلام الموقعين": ولو اشترط الإمام على الحاكم أن يحكم بمذهب معين لم يصح شرطه وتوليته، ومنهم من صحح التولية، وأبطل الشرط، فهو مذهب له. والذي عليه عمل مغربنا أنه يكتب في منشور تولية القاضي شرط أن يحكم بمشهور مذهب مالك أو ما به العمل. وذلك أخذوه عن عمل ملوك قرطبة والأمويين، وهو أخذ بسد الذرائع والمصالح المرسلة، وما دامت الأخلاق متأخرة، والمدارك جامدة والثقة مفقودة، فإبقاء الناس على ما هو عليه في القضاء أخذ بأخف الضررين وإن المفتي مثل القاضي سواء، والضرورة قد ألزمت به في وقتنا هذا إلى أن يجدد الله مجد الفقه، ويعيد شبابه باجتهاد الفقهاء وأمانتهم. ولئن خرجت عن الموضوع في بعض ما تقدم من الفصول، لكن العذر بين، وليس في تلك الفصول ما هو من الفضول، وكل ذلك لا يخلو من تصوير حال الفقه في هذه العصور أو مرشد لتجديده بعد الدثور.