للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا يبعد أن يخرج على ذلك:

١- ما رواه مالك في الموطأ أن الضحاك ابن خليفة ساق خليجًا له حتى النهر الصغير من العريض, فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى، فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك, فأبى, فكلَّم عمر -رضي الله عنه- فدعى محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فأبى، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشرب به أولًا وآخرًا, ولا يضرك، فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرنَّ ولو على بطنك١. وأمره عمر أن يجريه, فإذا تأمَّل المتأمل وجده اعتمد أصلًا عامًّا وهو إباحة النافع وحظر الضار, ولم يقله قياسًا على أصل معين، وغيره من المجتهدين لا يجبره على إجراء الماء؛ حيث عارضه أصل آخر وهو قوله -عليه السلام: "لا يحل مال امريء مسلم إلّا عن طيب نفس" رواه الحاكم٢ بإسناد على شرط الصحيحين في جله, وعلى شرط مسلم في بعضه، وأيضًا هذه المصلحة ليست في محل الضرروة فلا تعتبر، ويؤخذ من حكم عمر هذا أنه يبيح الصلاة في الدار المغصوبة، وقد أوسع الكلام فيها ابن ناجي٣ في تاريخ معالم الإيمان.

٢- ومن ذلك أن علي بن أبي طالب قضى في رجل من رجل يريد قتله, فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله, وبقربه رجل ينظر إليهما وهو يقدر على تخليصه, لكن نظر إليه حتى قتله بأن يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت, ويفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر، فرأى تعزيز الناظر بفقإ عينه مصلحة للأمة. انظر عدد ٥٠ من الطرق الحكمية٤، إن كان هذا الحكم بالفقإ لم يأخذ به الفقهاء, كما أن الممسك يجب عليه عند المالكية القصاص لا الحبس؛ لأنه مباشر ووماليء على القتل.

٣- ومن ذلك تحريق عليّ -كرم الله وجهه- لقوم نسبوا إليه الألوهية, وثبت


١ الموطأ "٢/ ٧٤٦".
٢ المستدرك "١/ ٩٣" لفظه: "لا يحل لامريء من مال أخيه إلّا ما أعطاه عن طيب نفس".
٣ قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني، فقيه من قضاة القيروان، ت سنة ٨٨٧هـ "معالم الإيمان" "٣/ ١٤٩"، ترجم له المؤلف في أوائل القسم الرابع.
٤ ص٥٠، ط. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ١٣٩١هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>