وتنزيل أحكامه عارفا بالرجال، بصيرا بالأسانيد لا يكاد يشذ عنه الحديث من أحاديث الرسول إلا وعرف مخرجه ورجال سنده، وما هي رتبته قوة وضعفا من أئمة هذا الشأن، متبحر في الأصول والفنون الموصلة لذلك، وبالجملة كان فحلا في العلوم الإسلامية، شديد الرد على الفرق الضالة، وعلى البدع الحادثة في الإسلام، وعلى العلماء المتساهلين وذلك ما أوجب تألبهم عليه.
وله تواليف تدل على فضل واسع، ومادة وافرة وبلغت ثلاثمائة في نحو خمسمائة مجلد في الدين وأصوله وفروعه يطول سرد أسمائها، وفتاواه في الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد، وكان قوالا للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم ما كان ليتلاعب بالدين، ولا يطلق لسانه بما اتفق، بل يحتج بالقرآن، والحديث والقياس، ويبرهن ويناظر أسوة من تقدمه، تعتريه حدة في البحث زرعت له عداوة في النفوس، ولولا ذلك، لكان كلمة إجماع قاله الشوكاني.
وقد خصت ترجمته بتواليف، منها في الإنكار عليه لابن السبكي وفئته إلى السيد النبهاني الموجود في عصرنا، ومن جملة ما أنكروه عليه وعرفوا كيف يؤلبون فكر الجمهور ضده قوله: إنه لا تشد الرحال لزيارة قبر المصطفى عليه السلام، بل للصلاة في المسجد النبوي، وقوله بعدم جواز التوسل بالميت ولو نبيا، وقوله بأن من طلق زوجه ثلاثا في لفظ واحد لا يلزمه إلا واحدة، وقوله بعدم جواز طلب الحوائج من الأولياء الأموات، وتكفيره من يفعل ذلك إلى غير ذلك، وانظر كتابنا "برهان الحق" فقد ألممنا بكثير من هذه المسائل، وبينا أدلته وأدلته خصومه، ووجه الصواب في ذلك.
ومنها ما هو في الانتصار له، وتضليل من ضلله وهي كثيرة، ومن أحسنها "الصارم المنكي" لابن عبد الهادي الألوسي البغددي، وهو من أحسن ما ألف، وهناك تنظر ترجمة هذا الإمام، وما قيل فيه، وأجيب عنه وقد ظهرت فضائله بظهور تآليفه، وتبين بها توهين كثير مما نسب إليه وأنه ما كان إلا لحدة لسانه في الرد على خصومه، فافترق الناس فيه فرقتين: مبغض قال يرميه بالعظائم الكفر فما دونه، ومحب غال يفضله على كل ما سواه، وهذا عادة الله في أعاظم