الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري المصري شيخ الأزهر المتوفى سنة ١١٩٣ اثنتين وتسعين ومائة وألف يفتي على المذاهب الأربعة، وألف فيها جميعا، وذلك نادر.
ومن المتأخرين من ادعى رتبة الاجتهاد المطلق كالشوكاني في اليمن، ولكن لم يسلموه له، وأوذي بسبب ذلك، وعلى كل حال، فغالب العلماء من المائة الثامنة إلى الآن لم يحفظ لهم كبير اجتهاد، ولا لهم أقوال تعبير في المذهب أو المذاهب، وإنما هم نقالون اشتغلوا بفتح ما أغلقه ابن الحاجب، ثم خليل وابن عرفة، وأهل القرون الوسطى من المذاهب الفقهية؛ إذ هؤلاء السادة قضوا على الفقه، أو على من اشتغل بتواليفهم، وترك كتب الأقدمين من الفقهاء بشغل أفكارهم بحل الرموز التي عقدونها، فجنت الأفكار، وتخدرت الأنظار بسبب الاختصار فترك الناس النظر في الكتاب والسنة والأصول، وأقبلوا على حل تلك الرموز التي لا غاية لها ولا نهاية، فضاعت أيام الفقهاء في الشروح، ثم في التحشيات والمباحث اللفظية، وتحمل الفقهاء آصارا وأثقالا بسبب إعراضهم عن كتب المتقدمين، وإقبالهم على كتب هؤلاء، وأحاطت بعقولنا قيود فوق قيود،، وآصار فوق آصار، فالقيود الأولى التقيد بالمذاهب وما جعلوا لها من القواعد، ونسبوا لمؤسسيها من الأصول، الثانية أطواق التآليف المختصرة المعقدة التي لا تفهم إلا بواسطة الشروح، واختصروا في الشروح، فأصبحت هي أيضا محتاجة لشروح وهي الحواشي، وهذا هو الإصر الذي لا انفكاك له، والعروة التي لا انفصام لها، أحاطوا بستان الفقه بحيطان شاهقة، ثم بأسلاك شائكة، ووضعوه فوق جبل وعر بعدما صيروه غثا، وألقوا العثرات في طريق ارتقائه، والتمتع بأفيائه، حتى يظن الظان أن قصدهم الوحيد جعل الفقه حكرة بيد المحتكرين، ليكون وقفا على قوم من المعممين، وأن ليس القصد منه العمل بأوامره ونواهيه وبذله لكل الناس، وتسهيله على طالبيه، بل القصد قصره على قوم مخصوصين، ليكون حرفة عزيزة، وعينا من عيون الرزق غزيرة، وحاشاهم أن يقصدوا شيئا من هذا لأنه ضلال في الدين، وإنما حصل من دون قصد، فيا لله