مخصوص، فإذا انقضى زمن الحر، أو كانت البلد باردة، فلا إبراد ويرجع لأول الوقت، وأمثاله كثير، وفي مثل هذا قال العلماء: الرخصة لا تتعدى محلها، وليس معناه أن الرخصة لا يقاس عليها، بل يقاس عليها إذا توفرت شروط القياس، وزالت موانعه خلافا لمن يزعم عدم القياس عليها أصلا، فهو مخالف للأصول، وقد قالوا بالتيمم لضرورة عدم القدرة على الماء قياسا على ضرورة عدمه وأمثاله كثير، فعلم أن القاضي أو المفتي لا يجوز له الاسترسال في الإفتاء بما به العمل، ويظن أنه حكم مؤبد بل هو مؤقت ما دامت المصلحة أو المفسدة التي لأجلها خولف المشهور، فإذا ذهبت، رجع الحكم بالمشهور؛ لأنه واجب، والانتقال عنه رخصة للضرورة، فإذا زالت الضرورة، ذهب الرخصة كالتيمم لعدم الماء، ومنها أنه ليس كل قاض حكم بقول يعد رخصة شرعية حتى نثبت عدالة القاضي واجتهاده في الفتوى، ودون هذا خرط القتاد إلا إذا كان سبب العمل جريان عرف فالعرف يستوي في معرفته المجتهد وغيره، أما ما لم يبن على العرف والعوائد، فلا بد أن يثبت السبب الذي لأجله انتقل عن القول الراجح، أو المشهور، وقد ركب الناس في هذا كل صعب وذلول، وإلى الله المشتكى.
ومنها أنهم اعتمدوا كل من قال: جرى العمل بكذا من غير بحث عن عدالة الناقل مع أن العمل لا يثبت إلا بشهادة عدلين على قاض عدل فقيه أنه حكم به، أو ينص عليه مؤلف ثقة.
وهناك نوع من العمل آخر وهو أن يختار أحد أئمة الفتوى من مجتهدي المذهب بعض الروايات عن مالك مثلا، ويرجحه خلاف ما هو المشهور في المذهب، ويبين وجه رجحانه، وهذا وقع كثير من ابن عات، وابن سهل، وابن رشد، وابن زرب وابن العربي واللخمي وأنظارهم فيجري حكم القضاة بما اختاروه، فهذا لا كلام لنا فيه؛ لأنه قول مرجح، كما عليه القرافي في "القواعد" وابن رشد في رحلته، ومن هذا ما يشير له خليل: اختير واستظهر ورجح واستحسن، وربما يشير له أيضا بقوله: وبه عمل فهذا فيه تقديم الراجح