مفت وقاضي لا يعرف ماذا كتب، ولا ما حكم به، ولا يميز بين ما أثبت أو نفى، وإلى الله المشتكى.
وكم رأيت وسمعت من فتاو، وأحكام في البوادي والمدن يضحك منها ويبكي على غربة المغرب والدين من أجلها، وإن أصحابه محتاجون للتعليم كثيرا، وقد تأفف أحمد الهلالي في وقته مفتيه، وقبله الباجي وابن حزم بكثير يعلم ذلك من طالع كتب الفتوى والتاريخ، وكل وقت هو كوقتنا هو يوجد المحسن والمتسلط إلا أن وقتنا هذا عظم فيه الجهل، وغلب الفساد، وأصبحت الفتوى بين كل من مديده إليها وتجرأ عليها ولو كانت اليد شلاء، والكف خرقاء ترسم بها من اتخذها مكسبا ومتجرا، ولا تسأل عما جرى كيف جرى. ويجب على من قلده الله أمر الأمة أن يرفع هذا المنصب عن تناول أوساخ الناس، وبيع الشريعة بما بيع به يوسف عليه السلام، فذلك باب عظيم؛ إذ الباذل للمال يتوصل إلى الاستظهار به على استمالة نصوص الشريعة نحوه ولو كان مبطلا فبيع الفتوى هادم للشرع، مفسد للمفتين، وهو مقت عظيم، وخطب جسيم، وها هي تونس أختنا لا يتصدر للفتوى بها إلا من ثبتت مقدرته ونزاهته، ويجعل له الراتب الكافي، ويمنع من تناول كل أجرة وكل هدية وهكذا ينبغي.