للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراتب: طائفة أصحاب وجوه كابن سريج والقفال وأبي حامد، وطائفة أصحاب احتمالات، كأبي المعالي، وطائفة ليسوا أصحاب وجوه ولا احتمالات كأبي حامد وغيره.

واختلفوا متى انسد باب الاجتهاد على أقوال كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، وعند هؤلاء أن الأرض قد خلت من قائم لله بحجة، ولم يبق فيها من يتكلم بالعلم، ولا يحل لأحد بعد أن ينظر في كتاب الله ولا سنة رسوله لأخذ الأحكام منها، ولا يقضي ويفتي بما فيها حتى يعرضه على قول مقلده ومتبوعه، فإن وافقه، حكم به، وإلا رده ولم يقبله. وهذه أقوال كما ترى قد بلغت من الفساد والبطلان والتناقض، والقول على الله بلا علم، وإبطال حججه، والزهد في كتابه وسنة رسوله، وتلقي الأحكام منهما مبلغها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويصدق قول رسوله أنه لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة١: "ولن تزال طائفة من أمته على محض الحق الذي بعثه به" ٢ وأنه "لا يزال يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها" ٣، ويكفي في فساد هذه الأقوال أن يقال لأربابها: فإذا لم يكن لأحد أن يختار بعد من ذكرتم، فمن أين وقع لكم اختيار تقليدهم دون غيرهم؟ وكيف حرمتم على الرجل أن يختار ما يؤديه إليه اجتهاد من القول الموافق لكتاب الله وسنة نبيه، وأبحتم لأنفسكم اختيار قول من قلدتموه، وأوجبتم على الأمة تقليده، وحرمتم تقليد من سواه؟ فما الذي سوغ لكم هذا الاختيار الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صحابي ويقال لكم: فإذا كان لا يسوغ الاختيار بعد المائتين عندك ولا عند غيرك من أين ساغ لك وأنت لم توجد إلا بعد المائتين بنحو ستين سنة أن تختار قول مالك دون من هو أفضل منه من الصحابة والتابعين أو من هو مثله من فقهاء الأمصار أو ممن جاء بعده، ويلزمك أن أشهب وابن الماجشون ومطرفا وأصبغ


١ وهم ابن القيم رحمه الله هنا في نسبته إلى رسول الله، فإنه من قول علي رضي الله عنه، كما ذكره هو نفسه في "إعلام الموقعين" "٤/ ١٢".
٢ أخرجه مسلم "٣/ ١٥٢٤" في الإمارة من حديث معاوية مرفوعا بلفظ "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من ضلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".
٣ أخرجه أحمد وأبو داود وهو صحيح وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>