للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستحلال الدماء، وجميع ذلك ناشئ عن اعتقاد كل فريق أن مخالفة على الباطل، وأنه مخالف لأحكام الدين، وجالب الضرر على المسلمين. ا. هـ. بحروفه.

وجوابه:

إن سب معاوية عليا في صحيح مسلم١ رأيناه، ورويناه كما في الصفحة ٥٤ نفسها من ج٢ من "الفكر السامي" وقد أطبق عليه المؤرخون ابن جرير الطبري وغيره، ووقوعه من إمام عظيم مثل معاوية مستغرب، والشبهة التي استند إليها في هذا الاجتهاد أغرب وأغرب لا سيما بعد موت علي، وتنازل ولده عن الخلافة، زد على ذلك إشهار السب على المنابر، وقرابته يسمعون فأي سياسة تسوغه، وأي شبهة تبرره؛ لأنه سباب مسلم قد مات زيادة عن صحبته وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، بل هذا من أقبح ما يستبشع في الدين الحنيفة المتمم لمكارم الأخلاق فأين هذا من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ٢ الآية وأنت تعلم ما استنبطه مالك من منع الساب من الفيء، وإنما الذي يهون المسألة بعض الشيء وقوع السب من رجل عظيم لمثله وله شبهة خفيت عنا، ومع هذا فإن استغرابي له كأنه اعتذار عن معاوية المشهور بدهائه السياسي، وفضائله الكثيرة وحلمه، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة. فقد روى البخاري في صحيحه٣ في باب ما قيل في قتال الروم من كتاب الجهاد عن أم حرام بنت ملحان أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا" الحديث ومعاوية أمير أول جيش غزا في البحر زمن عثمان، فقد أوجب، ولكن النقد لا يستلزم النقص، وقد قبل عند الكافة الانتقادات الفقهية في الأمور الاجتهادية ولو على أبي بكر وعمر، فكيف بالسياسة وكل يعلن أن لمعاوية أغلاط وله حسنات، وإنما هو التاريخ يقرر على وجهه، ولا أرى في تقرير المعلوم المحقق محذورا.


١ هو في صحيحه "٢٤٠٤" في فضائل الصحابة من حديث سعد.
٢ سورة الحشر: ١٠.
٣ "٦/ ٧٤" بشرح الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>