الفجور، ووقع فروع في المذاهب فيها ما يشبه الحيلة لا يقضي باعتبار التحيل أصلا في تلك المذاهب؛ لأن تلك فروع بنيت على الإغراق في طرد الأصل، وأكثرها متعلق بالمسائل التعبدية، فكيف تناسب القول بجواز الحيل مذهبا معظم مبناه على القياس الذي آثر العلة ثم الحكمة. ا. هـ. بحروفه.
وجوابه:
اعلم بمجرد إمعان النظر في الصفحة ٣٦٣ فما بعدها من الجزء الثاني من الفكر السامي، فقد بينت هناك محاججه بين من يثبت الحيل ومن ينفيها، وانفصلت على وجه معتدل، وهو أنه لا يسعنا إنكار وجود أصل الحيل في شرعنا، بل وفي الشرائع قبلنا لنضافر ظواهر الأدلة على ذلك والظواهر إذا تكاثرت أفادت القطع كما هو منصوص عليها للفقهاء والأصوليين والمحدثين، ثم انفصلت على أن الحيلة إذا هدمت أصلا شرعيا، أو ناقضت مصلحة شرعية، فهي ملغاة لا يجوز الترخيص فيها كبعض الحيل التي عيبت على بعض الحنفية، وبينت هناك جملة منها وعلى مثلها حديث "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها" الحديث، وما ليس كذلك، فلا موجب لإلغائها، وعلى هذا القسم تحمل قضية أيوب في ضرب زوجته وأمثالها مما ورد في الشرائع.
وأما ما ذكره الشيخ من كونها خصوصية لأيوب، فغير خفي أن الخصوصية لا ثبت إلا بدليل، وأما قياسها على حديث فتح مكة، والقتال فيها، فهو قياس مع وجود الفارق البين، ففي هذا الحديث صرح بالخصوصية بخلاف قصة أيوب، ومثلها قضية سيدنا يوسف عليه السلام المذكورة في آية {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} إلى آية {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} إلى قوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} ١ فإنه تحيل