للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيضاحه والسلاح الأعم عليكم ورحمة الله. ا. هـ. بحروفه.

وجوابه:

إني لما قلت: لما قام عندهم من الأدلة على قصده، فذلك عذرهم فيما فيه نص، أما ما لم يجدوا فيه نصا، وتمحلوا له الأقيسة التي لا يخفاك ما فيها من الشروط التي لكل خصم أن ينازع في توفرها وما عليها من النقوض، مع خلاف الظاهرية في أصل القياس، وتشعب الأقوال فيه، فما عذر المتأخرين في التضييق على الأمة في معاملتها التي هي سبيل تقديمها، وإظهار الشرعية في مظهر غير مظهر السماحة والصلاحية للرقي، ولكل زمان ومكان، ولكل الأمم، وحتى تسببوا في نبذ العامة للشريعة، والطعن في أحكامها بأنها ضد مصالحهم.

إن مصلحة الأمة والشريعة معا تقتضي التوسع في أبواب المعاملات بما لا يخالف المنصوص والمجمع عليه، ونحن الأمة الإسلامية التي تنكر كل الإنكار على من يرى القلب والإبدال في الشرائع، وإني من الذين يعتدلون في الأحكام، وفي الفلسفة الفقهية، ولا يغرقون فيها، ولا يرون الاسترسال في الأقيسة والتحمل في استنباط أحكام بمنع معاملات كثيرة لم يصرح نص بمنعها، ولا نضيق على الأمة سبل رقيها؛ لأنه موجب لفقرها واحتكار تلك المعاملات لغيرها، ولم يجعل الله شريعة من الشرائع منافية لناموس الاجتماع، ولا قيدا ثقيلا في أرجل من يريد النهوض من الأمم، بل جميع الشرائع محافظة على ناموس الاجتماع، ورقي المجتمع الإنساني ولا سيما الشريعة العامة الأبدية. ولا يشك أحد أن تضييق المعاملات، ومنع الأمة من كثير منها يوجب فقرها، وما افتقرت الأمة إلا وضاع مجدها، وذهب سؤددها؛ إذ المال عصب لكل مجتمع إنساني، وحفظ البيضة إنما يكون في الزمان الحاضر بثروة الأمة، واتساع معاملتها ومتاجرها ومصانعها وفلاحتها.

وقد كان العلماء لا يفتون في منع مسألة حتى ينظروا إلى حاجة الناس إليها، فإن رأوا مساس الحاجة إليها، أو عموم المعاملة بها، رخصوا وأباحوا، وما ضيقوا

<<  <  ج: ص:  >  >>