مذهب السنة، وليس في كلامنا أفعال الله، بل في كلامنا التصريح بنفي ذلك في غير ما موضع عن أفعال الله، وانظر عدد ٣٦٢ من الجزء ١ وعدد ٣١٨ منه ففيهما مقنع وشفاء والذي ذهبت إليه في الكتاب كله وهو مذهب أكثر الفقهاء، وبعض الأشاعرة أن أحكام الشريعة الخمسة من حلال وحرام وندب وكراهية ووجوب، لها علل، بمعنى أن الشرع جعل لها علامات وأمارات تسمى في عرف الفقهاء والأصوليين علل الأحكام مثل الإسكار الذي جعل علة لحرمة الخمر حيث يفضي إلى الفتن والعداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة بتغطيته العقل، ولتلك العلل حكم ومصالح تترتب على تلك الأحكام، كصون العقل والمال والبدن والعرض المرتب على تحريم الخمر إلى غير ذلك مما سبق في عدد ٨١ من الجزء ١.
ولا يلزم من إثبات ذلك إثبات ما يسميه المعتزلة غرضا وعلة عقلية لأفعال الله التي لا بد عندهم أن تكون تابعة للأصلح أو الصلاح وجوبا عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فما نسميه نحن علة إنما هو أمارة وعلامة نصبها الشرع على الحكم للمجتهد لتتبع كل ما وجد فيه العلة، فيكون فيه الحكم، وإنما هناك اشتراك في مجرد لفظ العلة التي وقع التواضع عليها بالإصطلاح حتى إن السبكي اعترض على الإمام الآمدي حيث سماها باعثا لما يوهمه من مذهب الاعتزال مع أن كتابه "الأحكام" الذين بين أيدينا ما عبر فيه إلا بالعلة والعلامة والأمارة، ولعله في غيره، أو في محل لم نقف عليه.
وأيضا أن كون الأحكام روعيت فيها مصالح الخلق ليس ذلك على سبيل الوجوب على الله وأنما هو لطف منه سبحانه وتفضيل وامتنان، فالفرق واضح بين القولين وصراحة كلامنا في ذلك لا إبهام فيها ولا إيهام.
وأما التحسين والتقبيح العقليان، فما أبعد كلامنا عنه والتحقيق أن العقل يدرك حسن بعض الأفعال بمعنى ملاءمتها للطبع أو كمالها كالصدق والعلم،