للمسلمين، في إبانة الحق، وتحرير العلم والدين، فلكم من الله الجزاء الأوفى، والثناء الأكفى.
إن هذه الفكرة عالية، ومكانة في اتساع الأخلاق سامية، أراكم قد سبقتم علماء الإسلام لفتح بابها تصير سنة متبعة، تتحرر بها المؤلفات في حياة مؤلفيها، وتتضح بها أوهام من يتصدى للنقد وهو في تطوره العلمي لم يزل في المهد.
مولاي أوجبتم على إبداء ملاحظاتي قياما بنصح الإسلام، فإني ممتثل أمركم طالب عفوكم، ولكن بعد أن أوفي مؤلفكم حقه بذكر بعض مزاياه المنفرد بها، وإن شارك غيره في غيرها، لئلا أكون ممن بخس الناس أشياءهم، أو أنسأ حقهم فأساءهم.
سيدي أول ما وقع طرفي على الديباجة التي خالفتم فها عادة كل ما يرد علينا من مؤلفات السادة المغاربة وبعض المشارقة من تطويل الخطبة، وتنميقها بالسجع، وما يلقونه على وجه تواليفهم كبراقع تحول دون المقاصد إلا وأخذ أسلوبه العجيب السهل الممتنع بشراشر القلب، ومنافذ الفؤاد، فنفذت عذوبة بيانه، ومتانة علومه بأسرع من البرق إلى الفكر والمشاعر، فملكتها، فما مضى زمن وعد موسى حتى استوعبته مطالعا أكثر مسائله، مقابلا لما لم أستحضره منها على أصوله في مظانها بنظر مستقل غير متحيز ممتثلا أمركم المطاع، فإذا هو لب لباب وسحر الألباب، وقد فتح الباب لعلم جديد كان فيه الكتاب، وفصل الخطاب، بل لخص علوما، وما من علم التقمه إلا وأجاد هضمه.
فهذا أصول الفقه الذي لا يجيد الكتابة فيه إلا نحارير الأمة وفلاسفتها العظام الماهرون في علوم اللسان والتشريع الإسلامي، لكونه فلسفة العلوم الإسلامية، وميزان اختبار اختيار أعلامها، وسلاح المجتهد في الهيجاء عند احتدامها، قد أتيتم بملخص مهمه، وسواد عيونه في القسم الأول من كتابكم، وكملتم بقية منه في القسم الرابع لمناسبة أوجبها الانسجام، وما فاتكم منه إلا ما هو من فن آخر غالبا كمبحث الحروف الذي هو لغوي، ومباحث المنطق والتوحيد