للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقل، وقال: تواتر الخبر أنها كانت مباحة على الإطلاق ولو غيبت العقول، ويدل لما قلنا الآيتان الآتيتان قريبًا، وأسباب نزولهما.

الثانية: قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ١ نزلت في عمر وحمزة ومعاذ بن جبل, قالوا: يا رسول الله, أفتنا في الخمر والميسر, فإنههما مذهبتان لعقولنا، متْلِفَتَان لأموالنا, فنزلت، فتركها قوم تحريًّا عن الإثم، وشربها آخرون للمنافع، ولا شك أن من تركها قدَّم درأ المفاسد على جلب المصالح، ومن شربها وقف مع ظاهر التخيير الذي لا جزم فيه بالمنع، ولعله كان لم ينزل قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ} ٢ وإلا فوجود الإثم الكبير كان في فهم التحريم.

الثالثة: قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} ٣ نزلت في عليّ بن أبي طالب، دعاه وعبد الرحمن بن عوف رجل من الأنصار، فسقاهما قبل أن تحرَّم الخمر، فأمهم عليّ في المغرب فقرأ: قل يا أيها الكافرون, فخلط، فنزلت: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية. رواه أبو داود٤, فحرم تناولها في أوقات الصلوات, فتركها قوم عند وقت الصلاة خاصة، وقوفًا مع الظاهر، وتركها قوم مطلقًا أخذًا بسد الذرائع.

الرابعة: هي الآية السابقة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية، وسبب نزولها: أن سعد بن أبي وقاص أضافه٥ عتبان بن مالك في جماعة؛ فأكلوا وشربوها فثملوا وانتشوا وتناشدوا الشعر, ففخر عليهم سعد, فخيّر المهاجرين على الأنصار, فضربه رجل منهم فشجَّه في أنفه, فأنزل الله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية. رواه مسلم بمعناه في المناقب٦, وزاد غيره فقال عمر: اللهم بيَّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية بالتحريم بتاتًا، فأراقوها فلي أزقَّة المدينة، وكسروا أوانيها٧، فهذا من الأحكام التي نزلت تدريجًا كما سبق.


١ البقرة: ٢١٩.
٢ الأعراف: ٣٣.
٣ النساء: ٤٣.
٤ أبو داود "٣/ ٣٢٥".
٥ قال المؤلف -رحمه الله: عتبان -بكسر العين وتضم- صاحبي جليل من الأنصار.
٦ مسلم "٧/ ١٢٥".
٧ روى الزيادة أبو داود في الأشربة "٣/ ٣٢٥"، والترمذي في تفسير سورة المائدة "٥/ ٢٥٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>