للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ١، قال ابن العربي في الأحكام لدى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} ٢ الآية: إنها نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم نزل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ٣، وذلك يوم عرفة -يعني في حجة الوداع- على قول الأكثر، وهذا يعكر على ما تقدَّم لنا في صدر القسم الأول من الكتاب أن الأنعام مكية باتفاق على ما في الإتقان٤.

وتقدَّم لنا أن وجوب ذكر اسم الله أو سنيته, وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، شرِّعَ في أول بعثة قبل الهجرة بأية النحل وهي: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٥ وهي مكية، ونحوها في البقرة أيضًا وهي مدنية، فالذي تجدد في السنة العاشرة هو تحريم المنخنقة وما معها, وهي في معنى الميتة, فيحتمل أن آية المائدة بيان لآيات الأنعام والنحل والبقرة وهو الظاهر، ويحتمل أنها زيادة عليهما.

وعلى كل حال الذي يظهر من القرآن والسنة أن العرب كانوا يذكون قبل الإسلام بدليل: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} ٦ والنسيكة الذبيحة, وبدليل قصة الذبيح، وبدليل أنهم كانوا يذبحون لأصناهم، وكان لهم مذبح في البيت الحرام وبمنى، كما هو مقرر في الآثار، لم يجئ الشرع بجديد في أمر الذكاة على ما كان عندهم، نعم أتى بيانها وبيان آلتها وكيفيتها، ومنع مما كانوا يأكلونه من المنخنقة وما بعدها، وأمر بالتسمية, وأن ما ذكر عليه اسم صنم أو أي مخلوق فميتة, كما نهى عَمَّا كانوا يأكلون من الميتة, فإن القرآن مصرح بأنهم كانوا


١ المائدة: ٣.
٢ الأنعام: ١٤٥.
٣ المائدة: ٣.
٤ عبارة ابن العربي في أحكام القرآن "٢/ ٧٦٤" تفيد أن الآية نزلت مرتين إن صح النقل، مع أن كون سورة الأنعام مكية لا يعكر عليه استثناء آيات منها كما ذكر في الإتقان "١/ ٥٧"، إنما يعكر ذلك على ما ورد من نزولها جملة واحدة, فيحتاج إلى الجمع.
٥ النحل: ١١٥.
٦ الحج: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>