للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن المثبت مقدَّم لكونه سمع إنكارها, وسكت بعد ذلك رجوعًا منه، كما أنه أنكر أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر من الجعرانة، وغيره يثبت ذلك وهو الصحيح١، ومع كون ابن عمر أشهر الصحابة معرفة بالمناسك خطّؤوه فيهما.

ومن ذلك ما ذكره الزهري من أن هندًا لم تبلغها رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المستحاضة, فكانت تبكي لأنها كانت لا تصلي٢.

ومنها اختلافهم في التمسك بظواهر النصوص أو بالمعني المقصود من تشريع الحكم:

فقد أخذ ابن عباس بالأول حيث قال: إذا هلكت هالكة عن زوج وأبوين, فللزوج نصف التركة, وللأم ثلثها, وللأب ما بقي، تمسكًا بظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ٣. وقال زيد وبقية أعلام الصحابة: لها ثلث ما بقي عن الزوج نظرًا للمعني؛ لأنها هي والأب ذكر وأنثى ورثا بجهة واحدة, فللذكر مثل حظ الأنثيين كالأولاد والإخوة، ولابن عباس أن يقول: إن جهة الأمومة غير الأبوة, بدليل الفروق الكثيرة بين الجدة والجدد, وبين الإخوة لأم والأشقاء, وبأن الأخوة لأم ليس للذكر منهم حظ أنثيين وقوفًا مع لفظ شركاء في القرآن, فكيف لا تقفون مع لفظ أصرح وهو فلأمه الثلث، ومع هذا فمذهب الجمهور خلافه، وقال ابن عباس أيضًا: إن الأم لا يحجبها من الثلث للسدس أخوان أو أختان, وإنما يحجبها ثلاثة لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس} ٤، وقال غيره: بل الأخوان والأختان في معنى الثلاثة, بدليل قوله تعالى في آيتي الكلالة: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ٥, وقوله: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} ٦، والكل في الإخوة فلا


١ عمرته -صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة, رواها أبو داود "٢/ ٢٠٦", والترمذي "٣/ ٢٦٥" كلاهما عن محرش الكعبي، قال الترمذي: هذا حديث غريب ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا الحديث. قلت: وفي ابن ماجه عن ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع عمرات، وذكر منها العمرة من الجعرانة، ابن ماجه "٢/ ٩٩٩"، وأما إنكار ابن عمر لها ففي الصحيحين: البخاري "٣/ ٣"، ومسلم "٣/ ٦٠".
٢ مسلم: "١/ ١٨١".
٣ النساء: ١١.
٤ النساء: ١١.
٥ النساء: ١٢.
٦ النساء: ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>