للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن في كتابٍ كتَبَه, أو شعر أنشده, أو شيء وصفه, وما زاد على ذلك فهو مشغلة عمَّا هو أولى به, ومذهلة عمَّا هو أنفع منه من رواية المثل الشاهد والخبر الصادق والتعبير البارع, وإنما يرغب في بلوغ غايته من لا يحتاج إلى تعرف مسميات الأمور, ومن ليس له حظ غيره, ولا معاش سواه, وعويص النحو لا يجدي في المعاملات, ولا يضطر إلى شيء منه, أفمن الرأي أن يعمل به في حساب العقد دون حساب الهند, ودون الهندسة, وعويص ما يدخل في المساحة, وعليك في ذلك بما يحتاج إليه, إلى آخر ما قال.

ولنعد إلى الموضوع: إن تغير اللغة العربية أثر على الفقه أكثر من كل ما قبله؛ إذ العربي الذي رضع قوانين اللغة في ثدي أمه, وتعلم دقائقها من محاورة أهله, ما كان يتوقَّف في بلوغ درجة الاجتهاد إلّا على حفظ النصوص ووجود فقاهة في نفسه، وتوقَّد في ذهنه, أما في هذا العصر فقد أصبح متوقفًا على مزاولة علوم وصناعات وممارسات كثيرة وخبرة واسعة.

ومع هذا كله فلم يتأخَّر الفقه بل رأيناه زاد تقدمًا, وما زادته تلك الصعوبات إلا تنشيطًا، لما كان في صدر الأمة من النشاط وحب العمل وعلوِّ الهمة، وهكذا شأن الشعوب في ابتداء يقظتها لا تزيدها المصاعب إلا تنشيطًا، نعم قد ارتكبوا غلطًا في ذلك العصر؛ حيث لم يجعلوا تعليم اللغة إلزاميًّا, ولم يمنعوا التكلم باللغة الفاسدة, وذلك من عوامل الانحطاط، ولا سبيل لتقدم العرب إلّا بهذا, نسأل الله التوفيق، وقد كان حذَّاق المتقدمين تفطنوا لهذا, فكانوا يوجهون أولادهم للبادية يتربون هناك, لتعليم اللغة الفصحى من أعراب البادية, والتمرس على الشجاعة وصحة البدن، والشافعي تربَّى في البادية لأجل هذا، وأمثاله كثير, جعلوها بمنزلة مدراس للغة, إذا كان فساد اللغة إنما طرأ على الحواضر التي وقع فيها الاختلاط، أما البوادي فلم تزل لغتهم سليمة من الخطأ فهذا:


١ أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي, مات سة ٣٧٠: نسيم الرياض "٤/ ٥٠"، نزهة الألباء "٣٢٣"، وبغية الوعاة "١/ ١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>