للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحفظته في تسع ليالٍ, ورحلت إلى مالك فأخذت عنه الموطأ، فكان مالك يثني على فهمه وحفظه ووصله بهدية جزيلة لما رحل عنه، وأخذ عن مسلم بن خالد الزنجي, وأذن له في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، وعن ابن عيينة١ بمكة، والفضيل بن عياض, وإبراهيم بن سعد، وعمَّه محمد بن شافع، وغيرهم.

وروى عنه أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي٢، وأبو ثور٣، والبويطي٤، وطائفة، قال فيه شيخه ابن عيينة: أفضل فتيان زمانه، وكان إذا أتاه شيء من الفتيا أو التفسير أحال عليه، وقال فيه أحمد: كان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله, قليل الطلب للحديث.

وقال أحمد أيضًا: ما عرفت ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالست الشافعي. والثناء عليه كثير وفضله شهير، وقد تكلَّم فيه يحيى بن معين وأكثر القول فيه وأساءه, وكذلك ابن المديني, وقال فيه ابن عبد الحكم٥: يروي عن الكذابيين والبدعيين، قال في المدراك: ولعله لذلك لم يدخل أهل الصحيح في كتبهم من حديث ولو حرفًا.

قلت: لكن في الخلاصة تهذيب التهذيب رمز إلى أن مسلمًا أخرج له في الصحيح وأصحاب السنن الأربعة, وكيفيما كان فلا خلاف في إمامته في الفقه, وإنما ضعَّف حديثه لروايته عن الضعفاء, وإلّا فهو في نفسه بريء من ذلك، وقد استطرد السبكي في الطبقات الكبرى في ترجمة أحمد بن صالح المصري ما ثلب به الشافعي ورده, وقال عن ابن عبد البر أن ثلب ابن معين للشافعي مما نُقِمَ عليه وعيب به، وذكر قول أحمد: من أين يعرف ابن معين الشافعي ولا ما يقوله الشافعي. وأطال في ذلك فانظره٦.

قال في المدراك: أما جودة الفقه والإمامة فيه فمسلم له, لكن ليس له إمامة في الحديث ولا معرفته ولا استقلال به ولا يدعيه ولا يدعى له, وقد ضعَّفه فيه أهل


١ سفيان.
٢ اسمه عبد الله بن الحميدي الأسدي. تهذيب التهذيب "٥/ ٢١٥".
٣ إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، تاريخ بغداد "٦/ ٦٥".
٤ يوسف بن يحيى أبو يعقوب القرشي.
٥ عبد الله.
٦ طبقات الشافعية للسبكي "٢/ ٩-٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>