فهذا النص منه يتبين لك أن القرآن والسنة عنده في التشريع سواء, ولا يشترط ما شرطه أبوحنيفة من شهرة الحديث إذا عمَّت به البلوي وغير ذلك مما سبق، ولا ما اشترطه مالك من عدم مخالفته لعمل أهل المدينة.
وإنما شرط الصحة والاتصال دون المرسيل إلّّّّا مرسل ابن المسيب الذي وقع الاتفاق على صحته، والشافعي هو أول من طعن في المراسيل, مخالفًا في ذلك لمالك والثوري ومعاصريهما الذين كانوا يحتجون بها, كما في رسالة أبي داود لأهل مكة، وترك الاستحسان الذي قال به المالكية والحنفية, بل أنكره وقال: إن من استحسن فقد شرّع، وألف فيه كتابه إبطال الاستحسان, وتقدَّم لنا البحث معه في ذلك في مبحث الاستحسان، ولم يعمل إلّا بقياس له علة منضبطة.
كما ردَّ المصالح المرسلة أيضًا, وأنكر الاحتجاج بعلم أهل المدينة, وأطال في الأم للاحتجاج ضده بما ردَّه عليه المالكية, وقد استدلَّ هو بعمل أهل مكة, تقف على ذلك في جامع الترمذي وفي الأم، كما أنكر على الحنفية تركهم لكثير من السنن بدعوى عدم الشهرة.
وقال الشافعي: أيضًا: إذا رفعت الواقعة للمجتهد فليعرضها على نص القرآن، فإن لم يجد عرضها على أخبار الآحاد، فإن لم يجد عرضها على ظاهر القرآن، فإن وجد ظاهرًا بحث على المخصِّص من خبر أو قياس، فإن لم يجد مخصصًا حكم به, فإن لم يعثر على لفظ قرآن أو سنة نظر في المذهب, فإن وجد فيها إجماعًا اتبعه، وإن لم يجد إجماعًا خاض في القياس. "ابن التلمساني" وليس في كلامه متعقب إلا تأخره بالإجماع وهو مقدَّم.
وتقدَّم قوله في الأم: والإجماع أكبر من الخبر المفرد، وبه يجمع بين كلاميه، وبهذا الأخير تعلم أن نص خبر الواحد عنده مقدَّم على ظاهر القرآن, وهو عمومه خلاف ما تقدَّم لمالك، وأن لا يعمل بالعام إلّا بعد البحث عن المخصص، وأن القياس لا يعمل به إلّا لضرورة عدم نصٍّ أو ظاهر، كما علم من كلامه الأول أن النصَّ لا يبحث معه عن العلة، وقال في أعلام الموقعين: قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة.
وقال في كتاب اختلاف مع مالك: والعلم طبقات: الأولى: الكتاب