للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ١، وقرعهم بقوله: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} ٢.

فهذا مثال ما كان عند العرب من الفقه، وهو ضوابط قليلة الأهمية ليست كافية في بابها, ولا رادعة لأهل الفساد والدعارة٣, ولا وافية بالنظام الاجتماعي، لهذا بقيت الأمة العربية مفترفة الأهواء فاقدة النظام, تخوض بحار الحروب لقتل نفس, بل لضربة أو سبة, فتنقطع السبل وتذهب الحقوق، وتنقطع المواصلات والمعاملات إلّا في الأشهر الحرم، فكانوا في جاهلية جهلاء يفتخرون في أشعارهم لدى منتدياتهم بقطع السبل وقتل النفس وسلب الحقوق وغير ذلك من الأفعال الشنيعة، وإنما وازعهم الذي أمكنهم من الحياة وبقاء الجنس العربي هو العصبية القومية، فمن كانت لهم عصبية في قومه دافع بها عن حقوقه, وإلا حالف قومًا آخرين, فكان تحت ذمتهم يدافعون عنه على أصول معلومة عندهم، حتى إن الحليف كان يرث حليفه، إلى أن جاء الإسلام, فعند ذلك عرفت الحقوق بمعرفة الفقه, وصار لهم المقام الأول في الاعتبار, والركن الأعظم في الأذهان، ونسخ حكم التحالف بوجوب التناصف.

هذا وإن لفظ الفقه كان موجودًا في لغة العرب, لكن بمعنى الفهم كما سبق لا بمعنى العلم المخصوص، وكذلك لفظ العلم، وما كانوا يستعملون لفظ فقيه أو لفظ عالم فيما استعملا فيه بعد الإسلام.

فما بلغنا أن العرب كانت بينهم طائفة قبل الإسلام موسومة بسمة الفقهاء أو العلماء, أو كان هذا اللقب خاصًّا بصنف من الناس دون صنف؛ إذ كانوا أميين غير متدينين بدين له فقه وعلم، ولا كانوا يرجعون في فصل خصوماتهم وصيانة حقوقهم إلى نصٍّ مدون يجري على كل الناس أو جلهم.

كان منهم من يزعم أنه على ملة إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام؛ كزيد بن عمرو بن نفيل، وأمية بن أبي الصلت وغيرهما، لكن ملة إبراهيم كان قد درست, وإنما كانا تابعين له في اعتقاد التوحيد ونبذ الأصنام وعدم أكل ما ذبح لها فقط، ثم إن الإسلام حعل لفظ فقيه خاصًّا بمن عرف العلم المخصوص بأدلته،


١ الأنعام: ١٤١.
٢ الأنعام: ١٤٤.
٣ في الطبعة المغربية بالذال المعجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>