للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون تكوينه ونشوؤه قبل التاريخ المبين آنفًا.

فالجواب: كلا, بل فقهنا مبتكر ليس مقبتسًا, فهو كالعلم المرتجل؛ إذ نبينا -صلى الله عليه وسلم- النبي الأمي، وأمته التي بُعِثَ فيها بدوية، لم تكن لها في زمن تكوين الفقه حضرية تتمكن بها من الاقتباس من الكتب قبلها، ففقهنا مقتبس من قرآننا وسنة نبينا، ناشيء بنشأتهما.

أما من قال من علمائنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا.

فليس مراده أننا نطالع توراتهم مثلًا ونقتبس منها الأحكام, فهذا لا قائل به, وإنما مرادهم أن ما ورد في القرآن والسنة حكاية عن وقائع الأمم السالفة ونوازلها الفقهية إذا لم يقيم دليل على نسخه يكون شرعًا لنا, لكون الشرع قرره ولم ينكره, فحكايته له وعدم إنكاره بمنزلة قوله: اعملوا به، كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية١، أما كتب الكتابيين فلا يجوز لنا أن نأخذ منها الأحكام أصلًا, لقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم, وقولوا آمنًّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم" ٢.

روى الطبري وغيره أن بعض الصحابة أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بصحيفة مكتوب فيها من بعض كتب أهل الكتاب, فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عمَّا جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير إلى غيرهم"، فنزل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} ٣، وقد كان ابن عباس ينكر أشد الإنكار على ما يأخذ عن الإسرائيليات في صحيح البخاري٤ وكثير من الصحابة كذلك أنكره.

كل ذلك يدل على أن الفقه الإسلامي شريعة مستقلة لم يدخلها الاقتباس ولا الأخذ من الشرائع قبلها أصلًا, سوى ما قَصَّ الله في كتابه, وأمر نبيه بأخذه من


١ المائدة: ٤٥.
٢ البخاري عن أبي هرير في الاعتصام "ج٩/ ١٣٦", وأبو داود في العلم "ج٣/ ٣١٨".
٣ العنكبوت: ٥١، انظر تفسير الطبري "ج٢١/ ٦" ط. الحلبي.
٤ البخاري في الاعتصام "ج٩/ ص١٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>