للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بقي على ابن رشد الاستدلال, وهو دليل ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس, فما سوى الأربعة من الأدلة التي توجد في كلام أهل الاجتهاد هو الاستدلال وهو أنواع:

الأول: التلازم بين الحكمين من غير تعيين علة, وإلّا كان قياسًا.

الثاني: استصحاب الحال.

الثالث: شرع من قبلنا شرع لنا.

وزاد الحنفية والمالكية في بعض الأبواب: الاستحسان وهو الرابع.

وزاد المالكية والحنابلة: المصالح المرسلة وهو الخامس.

وزادوا سادسًا وهو قياس العكس, وهو إثبات عكس شيء لضده لتعاكسهما في العلة كحديث مسلم: "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر" ١.

وزادو سابعًا وهو قولهم: الدليل يقتضي أن لا يكون كذا خولف في كذا لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى على الأصل، مثاله: تزويج المرأة، دل الدليل على امتناعه وهو ما فيه من إذلالها بالوطء، والخدمة، وذلك تأباه الإنسانية لشرفها، خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله, وهذا المعنى مفقود فيها, فبقي تززيجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من الامتناع.

وزادوا ثامنًا: وهو انتفاء الدليل الذي به يدرك الحكم فينتفي الحكم، وذلك أن المجتهد إذا بحث عن دليل الحكم فلم يجده كان محصلًا لظن أنه لا حكم, وقال الأكثر: إنه لا يلزم من عدد وجدانه الدليل عدم الحكم، لكنا نقول المجتهد عمل وسعه فحصل له الظن بعدم الدليل, فتمسك بالبراءة الأصلية، وذلك دليل بالنسبة إليه. والنافي لا يطالب بالدليل إن ادَّعى علمًا ضروريًّا كقولنا: الحكم يتوقف ثبوته على دليل وإلَّا لزم تكليف الغافل, ولا دليل بالسبَّر، فإننا سبرنا الأدلة


١ مسلم في الزكاة "ج٣/ ٨٢"، وأبو داود في الأدب "ج٤/ ٣٦٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>