وابن مهدي، وحفص بن غياث، وأبي داود الطيالسي، وخلق من أهل ذلك العصر. كان ثقة حافظا، فقيه البدن اجتمعت خصال فيه قلما تجتمع لغيره الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهد في الدنيا، والتخشن في الملبس والمطعم والسماحة.
قال ابن القاسم، وأشهب وابن أبي الغمر: لم يقدم علينا من أفريقية من هو أفقه من سحنون أخذ "مدونة" أسد، وذهب بها إلى ابن القاسم، وصححه عليه، فرجع عن أشياء فيها، ثم قدم بها القيروان، ونشرها في تلك الأصقاع إلى الأندلس، وبها تم انتشار مذهب مالك، فنسخت مدونة أسد التي امتنع صاحبها من تغييرها، فتركها الناس، وفض سحنون حلق المخالفين لمذهبه من العراقيين، ولم يكن يقبل إلا فتوى المالكيين، وبه صارت أفريقية ملكا لمالك.
ولي القضاء بأفريقية على عهد بني الأغلب الذين كانوا مستقلين في داخليتهم عن المشرق، فصدع بالحق، وأقام قسطاس العدل على الأمير فمن دونه، وذلك سنة "٢٣٤" أربع وثلاثين ومائتين، ولم يأخذ شيئا على القضاء قط، ولا يقبل من السلطان عطاء، ويأخذ مؤنة قضاته ونوابه وأعوانه من جزية أهل الكتاب، بل كان يعالج فلاحة بعض زيتونه بيده، ويأكل من كسبه فقط، ولا يأكل حتى من أملاكه، وكان سحنون من أيمن عالم دخل المغرب، كأنه مبتدأ عصره محا ما قبله، وكان أصحابه الذي أخذوا عنه مصابيح في كل بلد، وقد بلغوا سبعمائة. رأى الناس يوما يقبلون يد ابن الأغلب الأمير، فقال له: لم تعطيهم يدك لو كان هذا لقربك من الجنة ما سبقونا إليها.
توفي سنة "٢٤٠" أربعين ومائتين عن ثمانين سنة رحمه الله وخلف ولده.
٣٩٢- محمد بن سحنون ١: وله درجة عالية في الفقه والتآليف العظيمة في المذهب المالكي، والخصال الجليلة، ألف في فنون كثيرة كالحديث
١ محمد بن سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي، أبو عبد الله التنوخي الفقيه المالكية القيرواني. رياض النفوس "١/ ٣٤٥"، الديباج المذهب "٢٣٤"، شجرة النور الزكية "٧٠٠"، سير النبلاء "١٣/ ٨٦"، الوافي بالوفيات "٣/ ٨٦".