ولي العهد الحكم بن الناصر الأموي، وبه كملت عدتهم ستة عشر مستشارا ولم يكن في عصره أكثر منه خيرا ولا أكمل ورعا.
له كتاب "النصائح" مشهور، وكتاب "معالم الطهارة" وكان صليبا قليل الهيبة للملوك، راوده الحكم المستنصر أن يأتيه يوما بولده أحمد وكان صغيرا، وعزم عليه في ذلك، فاعتذر إليه، وقال: لا يقول الناس هذا الشيخ المرائي استجلب بولده دراهم السلطان، فأعفاه من ذلك. وكان عند والده الناصر "أعذار" واحتفل في استدعاء وجوه الناس، ولم يتخلف إلا أبو إبراهيم، فساءه، وكتب إليه يعتبه ويطل بمنه وجه عذره.
فأجابه بما نصه: سلام على الأمير سيدي ورحمة الله قرأت أبقى الله الأمير سيدي كتابك وفهمته، ولم يكن توقفي لنفسي إنما كان لأمير المؤمنين سيدنا أبقاه الله ولسلطاته لعلمي بمذهبه وسكوني إلى تقواه، واقتفائه لأثر سلفه الطيب رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يستبقون من هذه الطبقة بقية لا يمتهنونها بها يشينها ويغض منها، ويطرق إلى تنقيصها يستعدون بها لدينهم، ويتزينون بها عند رعاياهم ومن يفد عليهم من قصادهم، فلهذا تخلفت، ولعلمي بمذهبه وفقه الله.
فلما قرأ الكتاب الحكم، أعلم أباه الناصر، فاستحسن اعتذاره. توفي أبو إبراهيم بطليطلة خرج مع الحكم غازيا سنة ٣٥٥ اثنين أو أربع أو خمس وخمسين وثلاثمائة عن خمس وسبعين سنة، ولما علم الحكم بموته وكان فتح عليه حصن قال: لا أدري بأي الفرحتين أسر بأخذ الحصن، أو موت إسحاق؛ لخوفه منه، وطوع العامة له. ا. هـ. بخ "المدارك" فانظر رحمك الله كيف كان عز الورع وعز الصلابة في الدين، وخوف الخلفاء من العلماء.
٤١٧- أبو ميمونة دراس بن إسماعيل الجراوي ١
الفاسي المشهور بالمحدث، كان فقيها حافظا للرأي، له رحلة للمشرق
١ أبو ميمون دراس بن إسماعيل الجراوي الفاسي "المحدث": أبو ميمونة الفقيه الفاسي. حاشية الإكمال "٧/ ٨١"، تاريخ علماء الأندلس "٤٦".