كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي

القرآن العظيم - مدخل - ج: 1 - ص: 84

والمتعلق من آياته بالأحكام الفقهية المقلل من العلماء كابن القيم يقول: مائة وخمسون آية كذا في أعلام الموقعين.

وقال بعض بعض العلماء: إنها نحو خمسمائة, وذلك نحو جزء من اثني عشر منه، أي: نصف السدس تقريبًا، والحق أنها تنيف على هذا العدد.

قال ابن العربي في الأحكام عن بعض أشياخه: إن سورة البقرة وحدها مشتملة على ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر, ولعظيم فقهها أقام ابن عمر في تعلمها ثمان سنين١.

وقد أخذ ابن العربي فيها الأحكام الفقهية من تسعين آية، بل فاتحة الكتاب التي سبع آيات أخذ الأحكام من خمس آيات منها، وجملة آيات القرآن التي أخذ هو منها الأحكام ثمانمائة وأربع وستون "٨٦٤" آية مفرقة في مائة وخمس سورة "١٠٥", ولكن معظمها في نيف وثلاثين سورة المبدوء بها المصحف الكريم, وعلى الأخص في السور المدنية التي تقدم لنا عدها، وقد استدركنا عليه نحن وغيرنا آيات أخر استنبطت منها أحكام أخر، والقرآن لا تنقضي عجائبه, ولا تنحصر أحكامه، ولا تزال كل يوم تظهر منه لطائف وأسرار ما دام المفكرون في الوجود، وما من جيل، بل ما من أحد يتدبره إلا ويظن أنه المخاطب به, عليه تتنزّل أحكامه وإشاراته؛ لأنه قول رب حكيم أحكم الحاكمين سبحانه.

قال سيدنا علي -كرم الله وجهه: ما ترك لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة، أو فهم أوتيه رجل مسلم.

وقال -عليه السلام: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" ٢.

وإذا راجعت أبواب الفقه فقلَّمَا تجد بابًا إلّا وأصلها مقتبس من القرآن العظيم صراحة أو إيماءً، قال في المعيار عن الشيخ أبي مدين: إن للقرآن نزولًا وتنزيلًا, أما النزول فقد تَمَّ بموته -عليه السلام, وأما التنزيل على الوقائع واستنباط الأحكام، فلم يزل إلى آخر الدهر٣.

---

١ أحكام القرآن "القسم الأول/ ٨".
٢ أبو داود في العلم "ج٣/ ٣٢٢".
والترمذي في العلم "ج٥/ ٢٨ ط. الحلبي، وابن ماجه في المقدمة "ج١/ ٨٤، ٨٥، ٨٦"، وفي المناسك "ج٢/ ١٠١٥".
٣ انظر التعليق الذي تقدم.