للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو ساعدته فيمن يشكوه لجعلت له مقبرة.

ثم في آخر القرن الرابع دهى الفقه المالكي في المغرب والقيروان داهية دهماء أدهى وأمر من كل ما مر وهي ظهور الشيعة الذين قتلوا أعيان علماء الملة الذين كانوا حاملين لواء العلم والدين، وحملوهم على الرجوع عن مذهب مالك وعن السنة، والتمسك بالرفض، فأبوا فقتلوهم شر تقتيل.

وانظر في "مدارك" عياض ترجمة أبي بكر بن هذيل وأبي إسحاق بن البرذون ومن عاصرهما كيف قتلا وسحبا في أذناب الدواب لعدم إفتائهما بمذهب جعفر بن محمد الذي سموه مذهب أهل البيت كسقوط طلاق البتة وإحاطة البنات بالميراث من أجل أن تكون سيدتنا فاطمة أحاطت بإرث أبيها مولانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأي فائدة في هذا بعد ذهاب أربعة قرون حتى يضرب العلماء ويقتلوا لأجله.

وكم فعلوا من أفاعيل في القيروان، ثم بمصر لما غلبوا عليها، قتلوا العلماء، ومنعوا من أبقوه من التحليق في المساجد، ونشر العلم والفتيا إلا بمذهبهم.

وقد قتلوا في وقعة أبي زيد مخلد بن كيداد خمسة وثمانين من نخبة علماء القيروان حول المهدية رحمهم الله، وجعلوا دعاة لمذهبهم فرقوهم في الآفاق، كل ذلك توصل للسياسة والرئاسة، فكان من يأخذ عن العلماء إنما يأخذ سرا وعلى حال رقبة وخوف.

ومع هذا الضغط لم يقضوا على المذهب المالكي، بل بقي سرا ينتشر؛ لأن إرادة الشعب كانت خلاف إرادة الدولة، ولما تمكنت الأمة من المناهضة، محت دولة الرفض مرة واحدة، وظهر المذهب المالكي أتم ظهور، لكن بعد مرور نصف قرن وهو في التأخر والنقصان، وفي طي الخفاء، وهكذا كل شيء تلقته الأمة عن كره لا يكون له دوام ولا قرار، فالانتصار والانتشار إنما هو في حرية الأفكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>