للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للشافعي قول يخالف الحديث، وأنه يجوز للمفتي أن يفتي من الصحيحين أو السنن أو غيرهما من كتب الحديث الموثوق بها فانظره.

فتبين لكم من هذا ما حصل في هذه الأزمان من استقلال الفقه عن الحديث، والحديث عن الفقه مع ما كانا عليه من التلازم في القرون الأولى، ففي آخر الشمائل الترمذية عن ابن المبارك: إذا ابتليت بالقضاء، فعليك بالأثر. وعن ابن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذهم.

وقد أراد الموحدون في أفريقيا والأندلس الرجوع إلى الأصل الأول، لكنهم لم ينجحوا، ولم يدم عملهم للأسباب التي بيناها لكم ولله عاقبة الأمور.

قال السبكي في "الطبقات" عدد ١٦٩ من الجزء الأول ما نصه: ثم أفضى الأمر إلى طي بساط الأسانيد رأسا وعد الإكثار منها جهالة ووسواسا، ولا يهون الفقيه أمر ما نحكيه من غرائب الوجوه، وشواذ الأقوال، وعجائب الخلاف قائلا: حسب المرء ما عليه الفتيا، فليعلم أن هذا هو المضيع للفقه أعني الاقتصار على ما عليه الفتيا، فإن المرء إذا لم يعرف علم الخلاف والمأخذ لا يكون فقيها إلى أن يلج الجمل في سم الخياط، وإنما يكون ناقلا مخبطا حامل فقه إلى غيره لا قدرة له على تخريج حادث بموجود، ولا قياس مستقبل بحاضر، ولا إلحاق غائب بشاهد، وما أسرع الخطأ إليه، وأكثر تزاحم الغلط عليه، وأبعد الفقه لديه، ثم روى حديث: "نضر الله عبدا سمع مقالتي هذه ثم وعاها وحملها، رب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" الحديث رواه الترمذي١ وغيره. ا. هـ.

فانظر رحمك الله تأفف أهل القرن الرابع إلى الثامن من مآل الفقه وترك السنة والاجتهاد والاشتغال بالفروع وهكذا بقيت الحال في نقصان واندحار إلى


١ "٢٦٥٨" وأخرجه أحمد "٥/ ٨٣"، وابن ماجه "٢٣٠"، والدارمي "١/ ٧٥"، من حديث زيد بن ثابت، وصححه غير واحد من المحدثين، وأخرجه من حديث ابن مسعود الشافعي، "١/ ١٤"، والترمذي "٢٦٥٩"، وابن ماجه "٢٣٢"، وإسناده صحيح، وأخرجه من حديث جبير بن مطعم أحمد "٤/ ٨١"، وابن ماجه "١/ ٧٥، ٧٦"، وأخرجه من حديث ابن عباس الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" ص١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>