للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رحلة العياشي أن سلطان العثمانيين سليم الأول استفتى علماء وقته في السلطان الغوري الذي منعه من الميرة بمصر لما كان قاصدا غزو بلاد العجم، متعللا بالغلاء وهو في الحقيقة كان حليفا للعجم، فقال العلماء: لا وجه لغزوه وهو سلطان المسلمين، ولم يمنعك حقا هو لك، فقال ابن كمال باشا: بل تغزوه، وتفتح بلاده وذلك مأخوذ من القرآن، وبما أني أصغر القوم، فلا يمكنني أن أتقدمهم، فأمهلهم ثمانية أيام حتى يطالعوا.

فقالوا: ما لنا غير ما أجبنا به، فليتبين جوابك، فقال: لا أجيبك إلا بعد الأيام الثمانية ربما يفتح الله عليكم بشيء فبعد ثمانية أيام جمعهم، فقالوا: ما لنا غير الجواب الأول، فقام ابن كمال، وقال: إن القرآن يوجد فيه دخولك مصر فاتحا لها، فإن الله يقول: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} ١، فقوله: ولقد عدده هو مائة وأربعون مساوية للفظ سليم، فتكون إشارة الكلام سليم، وقوله: من بعد الذكر عدد ذكر بدون لام التعريف هو ٩٢٠ عشرون وتسعمائة والأرض في الآية الكريمة هي مصر عند كثير من المفسرين، والعباد الصالحون هم جنودك إذ لا أصلح منهم في أقطار الأرض لإقامتهم سنة الجهاد، وفتحهم أكثر البلاد النصرانية، وهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وغيرهم من عساكر البلاد إما ممن فسدت عقائدهم كأهل العراق وأكثر اليمن والهند، وإما ممن ضعفت عزائمهم عن إقامة شعائر الإسلام كأهل المغرب، وإما ممن استولت عليهم الدنيا كأهل مصر، وبالغ في تقرير هذا المعنى.

وسر السلطان به، وسلم له العلماء الاستنباط ولطف الإشارة إلا أنهم قالوا: هذا لا يكفي في إباحة قتال من لم يخلع يدا من طاعة، ولا حارب أحدا من المسلمين وإن كانت الإشارة القرآنية تدل على أن هذا سيكون، فلا بد من إظهار وجه تعتمده الفتوى الفقهية.

فقال ابن كمال: أيها الأمير، قل للغوري: إني عزمت على أداء فريضة الحج، وليس لنا طريق ولا تزود إلا من بلدكم، فنريد أن نمر بها، ونتزود فإنه لا


١ سورة الأنبياء: ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>