للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به اعتناء زائدا، وقصروا همتهم عليه لكثرة ما فيه من الفروع التي لا تكاد توجد في غيره، فكأنه قد استقصى الصور الخيالية، وهيهات أن تستقصى. ويوجد عليه من الشروح والحواشي ما يزيد على الستين كما قال ابن غازي، هذا في زمنه، فكيف بما زيد بعده. ثم إن الذي أدخل مختصر خليل المغرب هو محمد بن عمر بن الفتوح التلمساني المكناسي سنة ٨٠٥ خمس وثمانمائة كما في "الروض الهتون" فبعد ذلك حصل إقبال المغاربة عليه، ثم على شرح الزرقاني لما فيه من زيادة فروع والاختصار في الشروح الذي هامت به عقول أهل القرون الوسطى من علماء الإسلام وشدة الاختصار موقعة في الخلل لا محالة، ومع ذلك فمختصر خليل أكثر المؤلفات الفقيهة صوابا رغما عن كون مؤلفه إنما خرجه إلى النكاح كما سبق، وقد وقع للزرقاني أغلاط في النقل وغيره، فاعتنى المغاربة، بتصحيحه، ووضعوا عليه حواشي مستمدة من حواشي الشيخ مصطفى الرمصاي على التتائي وغيرها، منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بناني، وشيخ شيوخنا سيدي محمد بن المدني جنون اختصر حاشية الرهوني، والكل مطبوع وأكثر الشروح تحريرا شرح الشيخ أبي عبد الله الحطاب، وشرح أبي عبد الله محمد المواق، وقد طبعا بمصر سنة ١٣٣٨. وحاصله أنه من زمن خليل إلى الآن زادت العقول فترة والهمم ركودا، وتخدرت الأفكار بشدة الاختصار والإكثار من الفروع التي لا يحاط بها والصورة النادرة، فاقتصروا على خليل وشروحه، حتى قال الناصر اللقاني: إنما نحن خليليون إن ضل ضللنا. قال أحمد السوداني: وذلك دليل دروس الفقه وذهابه، فقد صار الناس من مصر إلى المحيط الغربي خليليين لا مالكية إلى هنا انتهت الحالة.

ولو اقتصرنا على ترجمة خليل، ولم نزد أحدا بعده ما ظلمنا جل الباقي؛ لأن غالبهم تابعون له، فمن زمن خليل إلى الآن تطور الفقه إلى طور انحلال القوى، وشدة الضعف، والخرف الذي ما عده إلا العدم، وسيأتي في ترجمة القباب قول الشاطبي وابن خلدون أن ابن شاس، وابن بشير، وابن الحاجب أفسدوا الفقه فإذن خليل أجهز عليه، لكن في الحقيقة أن الذي أجهز عليه هم الذين جعلوه ديوان دراسة للمبتدئين والمتوسطين وهو لا يصلح إلا للمحصلين

<<  <  ج: ص:  >  >>