للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مذكورة في الموطأ وتأتي، وعملوا بالسنة بعد وفاته في مجتمعاتهم التي تعتبر إجماعًا، وثبت احتجاجهم بها من طرقٍ كثيرة تبلغ القطع مما لم يبق معه شك, ويعلمه من يتتبع كتب الصحاح وكتب السِّيَر، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ١, فالسنة تبيِّن ما أجمل في القرآن؛ لآن الشريعة كانت تنزل تدريجًا لأجل الرفق بالأمة الأمية كما سبق، ومن جملة الرفق أن ينزل الإجمال ثم يأتي تفصيله، وكل ذلك موجود في السنة مبيَّنٌ فيها، كما أن السنة تشرع ما ليس في القرآن استقلالًا كما يأتي، انظر إلى الإيمان جاء في القرآن الأمر به وإلزام كل واحد أن يملأ منه قلبه, ثم بينته السنة بقوله -صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله ووملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره" ٢ كذلك الإسلام والإحسان، وانظر إلى الصلاة عماد الدين, أوجبها القرآن من غير بيان, وبينت السنة عدد الصلوات أو الركعات وكيفيتها وشروطها, وإصلاح ما قد يقع فيه الخلل منها, ووضحت أوقاتها, وكيف العمل في فوائتها, وما ذكر في القرآن إلّا ما هو إجمال من ذلك كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الآية٣. ففي القرآن بيان شرط وهو الطهارة المائية, ثم الترابية, وأشار إلى شرط ستر العورة بقوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ٤ وإلى شرط استقبال القبلة بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ٥. ولكن هناك تفاصيل بينتها السنة، ثم أشار القرآن إلى أوقاتها بقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} ٦, ولكن السنة بينت الأوقات بالبيان الشافي, بحديث بريدة وحديث ابن عمر في الصحيح وغيرهما, وأشار القرآن إلى كيفيتها بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} , وقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} , ولكن السنة هي التي استوفت, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" ٧.


١ النحل: ٤٤.
٢ البخاري في الإيمان:"ج١/ ٢٠".
٣ المائدة: ٦.
٤ الأعراف: ٣١.
٥ البقرة: ١٥٠.
٦ الروم: ١٧.
٧ البخاري في الأذان "ج١/ ١٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>