للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزان، وفيها فرقة بني جنون الأشراف الأدارسة لهذا العهد، وقد ملئت تواريخ المغرب بزخبار دولتهم وللنسابين في ذلك مقال، والناس مصدقون في أنسابهم، وقد أخبرني من أثق به من الطلبة في وزان أن كل بني جنون في بني مستارة أشراف بغير خلافم.

هذا الشيخ من أكبر المتضلعين في العلوم الشرعية الورعين، المعلنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاتمهم في المغرب شيخ شيوخنا، وشيخ شيوخ جل المغرب رأس علمائه في القرن الثالث عشر بلا منازع، كان مفتيها محدثا نحويا لغويا معقوليا مشاركا محققا نزيها، قوالا للحق، مطبوعا على ذلك، غير هياب ولا جل، نزيها مقداما مهيبا، عالي الهمة، دءوبا على نشر العلم والإرشاد، والنهي عن المناكر والبدع والتي تكاثرت في أيامه لا يخشى في الحق لومة لائم يحضر مجلسه الولاة والأمراء أبناء الملوك وغيرهم، وهو يصرح بإنكار أحوالهم وما هم عليه مبين لهناتم غير متشدق، ولا متصنع، بل تعتريه حال ربانية، ولكلامه تأثير على سلطان النفوس رزق في ذلك القبول والهيبة على نحول جسمه، ووصلته بذلك أذاية وسجن، لكن بمجرد سجنه اعتصب الطلبة وقامت قيامة العامة فأطلق سبيله لذلك.

فهو أحق من يقال في حقه: مجدد لكثرة المنافع به، وانتشار العلم عنه، وعن تلاميذه، وقيامه بالنهي عن مناكر وقته، وكان شديدا على أهل الطرق وما لهم من البدع التي شوهت جمال الدين والمتصوفة أصحاب الدعاوى التي تكذبها الأحوال، وما كان أحد يقدر على الرد عليه مع شدة إغلاظه عليهم وعلى غيرهم وسلوكه في ذلك مسلك التشديد، بل التطرف في بعض المسائل، ومع ذلك هابه علماء وقته ولم يجرءوا على انتقاده؛ لأنه كان يتكلم بالحال لا المقال، وتحققوا خلوص نيته ومطابقة سره لعلانيته.

وذكر لي بعض الثقاة أنه سمع من الفقيه أحمد جسوس الرباطي أحد تلاميذه أنه أصبح جنبا، ولما استيقظ، وجد وقت القراءة، فلم يقدر على التخلق خوفا من الشيخ؛ لأنه كسي مهابة وجلالة انعدمت من علماء المغرب بعده،

<<  <  ج: ص:  >  >>