المؤسس على أساس العلم السانح إذ بيت بني سودة بيت علم أصيل ومجد أثيل، حملوا المحابر، فحملوا على المنابر، ومع ذلك فالشيخ عصامي لا يتكل على مجد عظامي، لذلك حاز قصب السبق على الأقران، وجلي في الميدان، فكان في التحقيقات البدر المنير إذا أدلهم مشكل، أو ناب معضل، إلى كرم نفس، وإصابة حدس، ورقة طبع دونه النسيم، وخلق كريم يسلي الكليم، حليته الإنصاف شأن الأشراف مع فصاحة سحبانية، وكف حاتمية، وذهن وقاد، وقلم سيال نقاد، كثير المطالعة، واسع الاطلاع، معتن بجمع الفوائد والشوارد، وقيد الأوابد.
وقفت على جملة من كتبه، فلا تجد واحدا منها إلا وعليه خطه وملاحظته القيمة، جاعلا لها فهارس مقربة، فهو شيخ النحارير النظار في عصره، ولم ندرك في بيتهم من يساويه، ولا في حلبته من يساميه، وكان مع ترأسه مجالس الملك الحديثية قاضي مكناس مدة طويلة إلى أن توفي قاضيا. أخذت عنه بفاس صحيح البخاري وشمائل الترمذي، ولازمت درسه فيهما إلى الختم رواية ودراية، وله سند عال بينته في الفهرس، فكان يأتي بالعجائب البينات، ويصير معضلات العلم بحسن ذوقه، وثاقب فهمه، وحسن أسلوبه في التعبير من الواضحات.
كان كثير التقييد يكتب درسه، ويمليه محررا من كراسته، تفرد بهذا العمل لكبر سنه ونحولة جسمه، لكن فكره الوقاد لم يتقمص معه في قميص شيخوخته، بل بقي في عنفوان الشباب يفحم الشباب، ويأتي بفصل الخطاب، راجعته في مسألة كتابة وشفاها، فكان مثال التحقيق والإنصاف بعيدا عن جبروت الولاية والاعتساف. وله عدة تواليف فقهية وحديثية منها حاشية على البخاري، لو طبعت، لكان لها طيران حثيث، ولد سنة ١٢٤١ إحدى وأربعين ومائتين وألف. وتوفي عاشر رجب سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وألف بفاس رحمه الله.