للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾، والكافر غير مرض فلا تجوز شهادته. قلت: إن دعوى النسخ إنما يصار إليه إذا لم يمكن الجمع بين الأدلة، وعلم تأخر الناسخ وتراخيه عن المنسوخ، وفي هذه المسألة لا يوجد ما يدل على تأخر ما يقال بأنه الناسخ، ويمكن الجمع بين الأدلة، وذلك بحمل ما يدل على اشتراط العدالة والإسلام في الشهادة على الحالة العامة، وحمل ما يدل على جواز شهادة غير المسلم على الحالة الخاصة، وهو جواز شهادته على الوصية في السفر، إذا لم يوجد أحد من المسلمين، فهذه حالة ضروة فتقبل شهادته فيه (١).

فائدة: عدل المولى عن أسلوب الطلب إلى أسلوب الخبر؛ لأن الناس معتادون باستحفاظ وصاياهم عند محل ثقتهم (٢).

(٧) قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٥ - ٦٦].

أخبرت الآية بوجوب مصابرة الواحد من المسلمين للعشرة من الكافرين، وعدم الفرار أمامهم، ثم خفف عنهم أو نسخ (٣) إلى مصابرة الواحد للاثنين.


(١) انظر: الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ للدكتور محمد إبراهيم سركند (٥/ ٢٥٤٤).
(٢) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (٥/ ٢٥٥).
(٣) انظر خلاف العلماء في كون نسخاً أو تخفيفاُ: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٥٦)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (٢/ ٤٥٢) وحجة القائلين بأنه نسخ، أن قوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾، يستلزم وجود التثقيل قبله.
وعورض بأنه لا يستلزم ذلك، بل إن عادة العرب الرخصة بمثل هذا الكلام، كقوله تعالى في ترخيصه للحر في نكاح الأمة: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨]، وليس هناك نسخ، إنما إطلاق نكاح الأمة لمن لم يستطع نكاح الحرائر.
ثم إن الأصل في الناسخ أن يكون متراخياً عن المنسوخ، ولا تجوز مقارنته له إلا بدليل قاهر، وهنا ذُكرت الآيتان متقارنتان.
وفائدة الخلاف في كونه تخفيفاً أو نسخاً تظهر فيما لو قاتل واحد عشرة، فقُتل هل يأثم أو لا؟ فعلى القول الأول بأن الآية منسوخة يأثم، وعلى القول بأنها تخفيفٌ لا يأثم. انظر: التفسير الكبير للرازي (١٥/ ١٩٤)، ومحاسن التأويل للقاسمي (٨/ ٩٤ - ٩٥).

<<  <   >  >>