إن الإنسان الذى يسعى لأن يكون كريمًا فى مجتمعه وله مكانة مرموقة فيه لابد وأن يتأثر بتأثر هذا المجتمع، ويفكر فى المشاكل التى تحيط به ويحدد موقفه منها، وقد تقدم أن الناحية الاجتماعية فى القرن الثامن الهجرى تنازعتها مؤثرات كثيرة من جهل ومرض وفقر وحروب مدمرة، كل ذلك يؤثر فى أى شخص يعايشه بغض النظر عن كونه عالمًا أو جاهلًا، لذا فإن الناحية الاجتماعية قد أثرت فى نشأة الزركشى وتكوينه، فتعلم أول أمره صنعة الزركشى التى هى صنعة آبائه ومن يعرفهم، ثم لما تعرف على العلماء تراه ترك الدنيا واتجه إلى العلم ينهل منه حتى أصبح من العلماء البارزين فى القرن الثامن، ومن حبه للعلم ترك كل عمل غيره حتى كان ينفق عليه بعض أقاربه ويكفيه مؤنته، وقطع نفسه فى سبيله، ولعل هذا من الأسباب التى جعلته قليل التأثر بالحياة الاجتماعية العامة، لأن عدم المسئولية وعدم الحقوق على الإنسان يجعله فى راحة أكثر وتفرغ أكثر فائدة - فاللَّه يرحمنا ووالدينا ويرحمه.