للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: غير ذلك، فمن قال بالأول لا يجوز الرجوع إلى الجميع وإلا لزم توارد عاملين على معمول واحد، ولهذا نقل عن أبى على الفارسى -كما قاله الكيا الهراسى- اختصاصه بالجملة الأخيرة كمذهب الحنفية بناء على مذهبه فى النحو أن العامل هو الفعل الذى قبل -إلا-.

ومن قال بالثانى جوز عوده إلى الجميع، وبهذا يترجح مذهب الحنفية.

وإنما قلنا: إنه لا يجوز أن يعمل عاملان فى معمول واحد لقيام الدليل العقلى والقياس النحوى عليه.

قال الكيا فى تعليقه: قال شيخنا أبو الحسن الأشعرى: لا يجوز أن يجتمع سوادان فى محل واحد؛ لأنهما لو اجتمعا لجاز أن يرتفع أحدهما بضده، وإذا جاز ذلك عقلًا، فلو قدرنا رفع أحد السوادين ببياض لأدى إلى اجتماع السواد والبياض فى محل واحد، وذلك ممتنع عقلًا، وكذلك لا يجوز أن يعمل عاملان فى معمول واحد؛ لأنه يلزم أن يرتفع أحد العاملين بضده، فيكون أحدهما مثلًا يوجب الرفع، والآخر يوجب النصب، ويؤدى إلى أن اللفظ الواحد مرفوع منصوب، وذلك محال (١).

واعلم أن مذهبنا قد يترجح بتقرير آخر يزول به الإشكال وهو: أنا إن قلنا: إن العامل هو -إلا- فلا يتعدى الاستثناء إلى الجمل بعده؛ لأنه يلزم منه تأخير المستثنى منه عن المستثنى، والمنسوب إليه معًا، وهو ممتنع عند الجمهور.

وإن قلنا: العامل فى المستثنى هو ما قبله أو استثنى فليرجع إلى الجميع لأنا حينئذ لم نؤخر المستثنى منه عن المستثنى، بل يقدر استثناء آخر عقب الثانية كما يقدر استثناء عقب ما قبل الأخيرة إذا تأخر الاستثناء عنهما، ويكون حذف من أحدهما لدلالة الآخر عليه، ولا يتضح عود الاستثناء المتأخر للجمل مع القول بأن العامل ما قبلها إلا أن (٢) ذلك وبه يزول الإشكال.


(١) نقل المؤلف هذا الكلام بحروفه فى البحر ٣/ ٢٠٥.
(٢) هكذا فى الأصل. ولعله حذف الخبر لدلالة الكلام السابق عليه.

<<  <   >  >>