(١) قلت: الراجح فى نظرى أنه إذا جاز لنا أن نقلد الأئمة الأربعة أبا حنيفة، ومالكًا، والشافعى، وأحمد -رحمهم اللَّه- يجوز لنا أن نقلد مجتهدى الصحابة من باب أولى، فإننا قلدنا الأئمة الأربعة لأن مذاهبهم دونت وحفظت، ولأن الأمة فى عصرهم وبعده أجمعت على جلالتهم وعلو شأنهم، وتقدمهم على غيرهم فى هذا الشأن، وهذا موجود فى مجتهدى الصحابة، وزادوا عليهم بثناء اللَّه ورسوله وإجماع الأمة قبل الأئمة وبعدهم على علو شأنهم حتى أن من يقول من العلماء: بأن الصحابة لا يقلدون هم مختلفون فى أقوال الصحابة هل تعد دليلًا أم لا؟ مع اتفاقهم على أن الأئمة الأربعة لا تعد أقوالهم من الأدلة المختلف فيها. أما كون الصحابة لم تدون أقوالهم جميعها فهذا لا يمنع من تقليدهم فيما دون ووصل إلينا وصح عندنا أما ما لم يصل إلينا فهو خارج عن محل النزاع، فلا أحد يقول بالتقليد فيما لم يوجد أو لم يصح مع أنه فى الحقيقة مفروض وليس واقعًا، لأن الصحابة دونت أقوالهم ووصلت إلينا، وكل ما يفرض فى أقوال الصحابة يفرض فى أقوال غيرهم مع أن تدوين الأقوال وكثرة الأتباع ليست شرطًا فى الاجتهاد، فإذا ظهر ذلك فمن يمنع العامى من تقليد الصحابة يمنعه من الأخذ بالأدلة، وأنه لا يجوز له ذلك حتى يعلم الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والخاص، ولا يجوز العمل بالكتاب والسنة مطلقًا، إلا للمجتهدين، وهذا ليس على إطلاقه، لأن كل إنسان له فهم يريد العمل بنص من كتاب أو سنة، فلا يمتنع عليه، ولا يستحيل أن يتعلم معناه ويبحث عنه هل هو منسوخ أو مخصص أو مقيد حتى يعلم ذلك فيعمل به، وسؤال أهل العلم عن النصوص وأخذها منهم ليس تقليدًا بل اتباع، وهذا ما كان عليه الصحابة -رضى اللَّه عنهم- والسلف الصالح بعدهم -رحمهم اللَّه-. وانظر المراجع السابقة، فواتح الرحموت ٢/ ٤٠٧، وأضواء البيان ٧/ ٤٧٧ - ٥٥٥.