(بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لَمْ يَرِدْ بِهِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الشُّيُوخِ مَا هُوَ ظَاهِرُهُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ بِمَاذَا يُفَضَّلُ أَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ مَكَّةُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ الْخِلَافِ قَبْرَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ بِإِجْمَاعٍ، وَمَعْنَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْأُخْرَى. ع وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ وَسِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ) وَاخْتُلِفَ هَلْ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ أَوْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَهْلُ) أَيْ عُلَمَاءُ (الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ) قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ.
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمِائَةِ صَلَاةٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَصَحَّحَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . (وَهَذَا) التَّفْضِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ (فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَ) فِعْلُهَا (فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ) عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي الْبُيُوتِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ التَّنَفُّلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِلْغُرَبَاءِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُمْ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
غَيْرِهِ.
وَعِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرُ هَذِهِ الْبِقَاعِ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ [قَوْلُهُ: التَّفْضِيلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمُتَقَدِّمَ تَفْضِيلُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ هُوَ الْمُشَارُ لَهُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَخْ.
وَالْجَوَابُ يَمْنَعُ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ بَلْ هُوَ مَا قُرِّرَ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ. [قَوْلُهُ: بِمَاذَا] مُتَعَلِّقٌ بِ يَفْضُلُ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي جَوَابِ بِمَاذَا يَفْضُلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُلْتُ: الْخِلَافُ الْجَارِي بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ هُوَ الْجَارِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا الْكَعْبَةَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقٍ [قَوْلُهُ: قَبْرَ سَيِّدِنَا] أَيْ مَا لَاصَقَ جَسَدَهُ الشَّرِيفَ لَا كُلَّ الْقَبْرِ. [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ إلَخْ] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ مَعْنَى آخِرِهِ لَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ إلَخْ] قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِأَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: فِيمَا سِوَاهُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي السِّوَى بَيْتُ الْمَقْدِسِ. [قَوْلُهُ: فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ] بِالْفَاءِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيعِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَلِذَلِكَ تَرَى الشَّارِحَ ذَكَرَ فِي الْحَلِّ مَا يَتَرَتَّبُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ. . . إلَخْ وَنُسْخَةُ تت وَالتَّحْقِيقُ بِالْوَاوِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّضْعِيفَ. [قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا فَهُوَ قَائِلٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْبُيُوتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاتِكُمْ] أَيْ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَخْ، أَوْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهَا فِي الْإِثْبَاتِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَكْتُوبَةَ] وَأُلْحِقَ بِهَا الرَّغِيبَةُ وَالسُّنَّةُ كَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَفِي غَيْرِ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ فَيُنْدَبُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] مِثْلَهُ لِابْنِ غَازِي وَمِنْ هَذَا يُسْتَفَادُ أَنَّ فِعْلَ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيبِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَالْمُجَاوِرُ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute